أما الأول، فلان للخصم منع اتفاق الأمة على رد قول الكافر مطلقا، ولا سبيل إلى الدلالة عليه، والقياس على الكافر الخارج عن الملة متعذر من جهة أن كفره أشد وأغلظ وأظهر من كفر من هو من أهل القبلة، لكثرة مخالفته للقاعدة الاسلامية أصولا وفروعا، بالنسبة إلى مخالفة المتأول لها. فكان إذلاله بسلب هذا المنصب عنه أولى. ومع هذه الأولوية، فلا قياس، بل الواجب الاعتماد في ذلك على قوله تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبأ، فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) * (49) الحجرات: 6) أمر بالتثبت عند إخبار الفاسق، والكافر فاسق، لان الكفر أعلى درجات الفسق. وإذا كان فاسقا، فالآية إن كانت عامة بلفظها في كل فاسق، فالكافر داخل تحتها، وإن لم تكن عامة بلفظها في كل فاسق، فهي عامة بالنظر إلى المعنى المومى إليه، وهو الفسق من حيث إنه رتب رد الخبر على كون الآتي به فاسقا مطلقا في كلام الشارع مع مناسبته له، فكان ذلك علة للرد، وهو متحقق فيما نحن فيه.
فإن قيل المرتب عليه رد الاخبار إنما هو مسمى الفاسق، وهو في عرف الشرع خاص بمن هو مسلم صدرت منه كبيرة، أو واظب على صغيرة، فلا يكون متناولا للكافر. وإن سلمنا تناوله للكافر، غير أنه معارض بقوله صلى الله عليه وسلم: نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر والكافر المتأول، إذا كان متحرزا عن الكذب، فقد ظهر صدقه، فوجب العمل به للخبر.
والجواب عن السؤال الأول بمنع اختصاص اسم الفاسق في الشرع بالمسلم، وإن كان ذلك عرفا للمتأخرين من الفقهاء، وكلام الشارع إنما ينزل على عرفه، لا على ما صار عرفا للفقهاء.
كيف وإن حمل الآية على الفاسق المسلم مما يوهم قبول خبر الفاسق الكافر على الاطلاق، نظرا إلى قضية المفهوم، وهو خلاف الاجماع. ولا يخفى أن حمل اللفظ على ما يلزم منه مخالفة دليل، أو ما اختلف في كونه دليلا على خلاف الأصل.
وعن السؤال الثاني أن العمل بما ذكرناه أولى، لتواتره وخصوصه بالفاسق، وأنه غير متفق على تخصيصه ومخالفته. وما ذكروه آحاد، وهو متناول للكافر