الثالث: المعارضة بقوله تعالى: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (53) النجم: 28) وليس العمل بعموم أحد النصين، وتأويل الآخر أولى من الآخر، بل العمل بالآية أولى، لأنها متواترة، وما ذكروه آحاد.
وعن الخبر الثاني: لا نسلم أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يعلم من حال الأعرابي سوى الاسلام.
وعن الاجماع، لا نسلم أن الصحابة قبلوا رواية أحد من المجاهيل فيما يتعلق بأخبار النبي، صلى الله عليه وسلم.
ولهذا، ردوا رواية من جهلوه، كرد عمر شهادة فاطمة بنت قيس، ورد علي شهادة الأعرابي.
وعن الوجه الأول من المعقول بالفرق بين صور الاستشهاد ومحل النزاع.
وذلك، من وجهين:
الأول أن الرواية عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أعلى رتبة وأشرف منصبا من الاخبار فيما ذكروه من الصور، فلا يلزم من القبول مع الجهل بحال الراوي فيما هو أدنى الرتبتين قبوله في أعلاهما.
الثاني أن الاخبار فيما ذكروه من الصور مقبول مع ظهور الفسق، ولا كذلك فيما نحن فيه.
وعن الوجه الثاني من المعقول بمنع قبول روايته دون الخبرة بحاله، لاحتمال أن يكون كذوبا، وهو باق على طبعه. وإن قلنا: روايته في مبدأ إسلامه، فلا يلزم ذلك في حالة دوامه، لما بين ابتداء الاسلام ودوامه من رقة القلب، وشدة الاخذ بموجباته، والحرص على امتثال مأموراته، واجتناب منهياته على ما يشهد به العرف والعادة في حق كل من دخل في أمر محبوب، والتزمه، فإن غرامه به في الابتداء يكون أشد منه في دوامه.