وأما المعقول فهو أن الاستثناء لفظ يخرج من الجملة ما لولاه لدخل فيها، فجاز إخراج الأكثر به، كالتخصيص بالدليل المنفصل، كاستثناء الأقل.
هذا ما يخص الأكثر، وأما المساوي فدليله قوله تعالى: * (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه) * (73) المزمل: 1) استثنى النصف، وليس بأقل.
وأما الحكم فعام للأكثر والمساوي، وهو أنه لو قال له علي عشرة واستثنى منها خمسة، أو تسعة، فإنه يلزمه في الأول خمسة، وفي الثاني درهم، باتفاق الفقهاء.
ولولا صحة الاستثناء لما كان كذلك.
وفي هذه الحجج ضعف، إذ لقائل أن يقول: أما الآية فالغاوون فيها، وإن كانوا أكثر من العباد المخلصين، بدليل النصوص المذكورة، فلا نسلم أن (إلا) في قوله إلا من اتبعك من الغاوين للاستثناء، بل هي بمعنى (لكن). وإن سلمنا أنها للاستثناء، ولكن نحن إنما نمنع من استثناء الأكثر، إذا كان عدد المستثنى والمستثنى منه مصرحا به، كما إذا قال له علي مائة إلا تسعة وتسعين درهما وأما إذا لم يكن العدد مصرحا به، كما إذا قال له خذ ما في الكيس من الدراهم سوى الزيوف منها فإنه يصح، وإن كانت الزيوف في نفس الامر أكثر في العدد، وكما إذا قال جاءني بنو تميم سوى الأوباش منهم فإنه يصح من غير استقباح وإن كان عدد الأوباش منهم أكثر.
وأما الشعر، فلا استثناء فيه، بل معناه: أدوا المائة التي سقط منها تسعون، ولا يلزم أن يكون سقوطها بطريق الاستثناء.
وما ذكروه من المعقول فحاصله يرجع إلى القياس في اللغة، وهو فاسد، كما سبق.
كيف والفرق بين الأصل والفرع واقع من جهة الاجمال.