المدلول للفظ مطابقه، كما قال الشافعي إنه لو قال القائل: لفلان علي مائة درهم إلا ثوبا فإنه يصح، ويكون معناه إلا قيمة ثوب، لاشتراكهما في ثبوت صفة القيمة لهما، وكما قاله أبو حنيفة في استثناء المكيل من الموزون، وبالعكس، لاشتراكهما في علة الربا.
قولكم: لو صح ذلك لصح استثناء كل شئ من كل شئ، ليس كذلك.
وما المانع أن تكون صحة الاستثناء مشروطة بمناسبة بين المستثنى والمستثنى منه، كما إذا قال القائل ليس لي نخل إلا شجر، ولا إبل إلا بقر، ولا بنت إلا ذكر ولا كذلك فيما إذا قال ليس لفلان بنت إلا أنه باع داره.
وأما القائلون بالصحة، فقد احتجوا بالمنقول والمعقول:
أما المنقول، فمن جهة القرآن، والشعر، والنثر.
أما القرآن، فقوله تعالى: * (وإذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم. فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) * (7) الأعراف: 11) وإبليس لم يكن من جنس الملائكة، لقوله تعالى في آية أخرى * (إلا إبليس كان من الجن، ففسق عن أمر ربه) * (18) الكهف: 50) والجن ليسوا من جنس الملائكة، ولأنه كان مخلوقا من نار على ما قال * (خلقتني من نار) * (7) الأعراف: 12) والملائكة من نور، ولأن إبليس له ذرية على ما قال تعالى * (أفتتخذونه وذريته أولياء) * (18) الكهف: 50) ولا ذرية للملائكة، فلا يكون من جنسهم، وهو مستثنى منهم. وقوله تعالى: * (أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون، فإنهم عدو لي، إلا رب العالمين) * (26) الشعراء: 75، 77) استثنى الباري تعالى من جملة ما كانوا يعبدون من الأصنام وغيرها، والباري تعالى ليس من جنس شئ من المخلوقات. وقوله تعالى: * (وما لهم به من علم إلا اتباع الظن) * (4) النساء: 157) استثنى الظن من العلم، وليس من جنسه. وقوله تعالى * (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا قيلا سلاما سلاما) * (56) الواقعة: 25) استثنى السلام من اللغو، وليس من جنسه، وقوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (4) النساء: 29) والتجارة ليست من جنس الباطل، وقد استثناها منه. وقوله تعالى:
* (فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون، إلا رحمة منا) * (36) يس: 43) استثنى الرحمة من نفي الصريخ والانقاذ، وليست من جنسه. وقوله تعالى: * (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * (11) هود: 43) ومن رحم ليس بعاصم، بل معصوم، وليس المعصوم من جنس العاصم.