وأما المعقول فهو أن الاستثناء لا يرفع جميع المستثنى منه، فصح، كاستثناء الدراهم من الدنانير، وبالعكس.
ولقائل أن يقول: أما الآية الأولى، فلا نسلم أن إبليس لم يكن من جنس الملائكة. قولكم إنه كان من الجن، قلنا: لا منافاة بين الامرين: فإنه قد قال ابن عباس وغيره من المفسرين إن إبليس كان من الملائكة من قبيل يقال لهم الجن، لأنهم كانوا خزان الجنان، وكان إبليس رئيسهم، وتسميته جنيا لنسبته إلى الجنة، كما يقال بغدادي ومكي. ويحتمل أنه سمي بذلك لاجتنانه واختفائه، ويدل على كونه من الملائكة أمران: الأول: أن الله تعالى استثناه من الملائكة، والأصل أن يكون من جنسهم للاتفاق على صحة الاستثناء من الجنس ووقع الخلاف في غيره.
الثاني: أن الامر بالسجود لآدم إنما كان للملائكة بدليل قوله تعالى: * (وإذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم) * (2) البقرة: 34) ولو لم يكن، إبليس من الملائكة، لما كان عاصيا للامر المتوجه إلى الملائكة، لكونه ليس منهم، إذ الأصل عدم أمر وراء ذلك الامر.
ودليل عصيانه قوله تعالى: * (إلا إبليس أبى واستكبر، وكان من الكافرين) * (2) البقرة: 34).
قولكم إن إبليس له ذرية، ليس في ذلك ما ينافي كونه من جنس الملائكة.
فلئن قلتم بأن التوالد لا يكون إلا من ذكر وأنثى والملائكة لا إناث فيهم، بدليل قوله تعالى: * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * (43) الزخرف: 19) ذكر ذلك في معرض الانكار والتوعد على قول ذلك.
قلنا: إنما يلزم من ذلك الإناث في الملائكة أن لو امتنع حصول الذرية إلا من جنسين، وهو غير مسلم.
قولكم: إن إبليس مخلوق من نار، والملائكة من نور، لا منافاة أيضا بين ذلك وبين كونه من الملائكة.
وأما الآية الثانية، فاستثناء الرب تعالى فيها من المعبودين، وذلك قوله:
* (ما كنتم تعبدون) * (26) الشعراء: 75) وهم كانوا ممن يعبد الله مع الأصنام، لأنهم كانوا مشركين، لا جاحدين لله تعالى، فلا يكون الاستثناء من غير الجنس.