الثاني: أن تتحد الجملتان نوعا، وتختلفا حكما، واسم الأولى مضمر في الثانية، كما لو قال أكرم بني تميم، واستأجرهم إلا الطوال.
القسم الثالث: بالعكس من الذي قبله، كما لو قال أكرم بني تميم وربيعة إلا الطوال.
القسم الرابع: أن يختلف نوع الجمل المتعاقبة، إلا أنه قد أضمر في الجملة الأخيرة ما تقدم، أو كان غرض الاحكام المختلفة فيها واحدا، كما في آية القذف، فإن جملها مختلفة النوع من حيث إن قوله تعالى * (فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (24) النور: 4) أمر، وقوله * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * (24) النور: 4) نهي، وقوله * (وأولئك هم الفاسقون) * (24) النور: 4) خبر. غير أنها داخلة تحت القسم الأول من هذه الأقسام الأربعة، لاشتراك أحكام هذه الجمل في غرض الانتقام والإهانة، وداخلة تحت القسم الثاني، من جهة إضمار الاسم المتقدم فيها.
وذهب المرتضى من الشيعة إلى القول بالاشتراك، وذهب القاضي أبو بكر والغزالي وجماعة من الأصحاب إلى الوقف.
والمختار انه، مهما ظهر كون (الواو) للابتداء فالاستثناء يكون مختصا بالجملة الأخيرة، كما في القسم الأول من الأقسام الثانية المذكورة لعدم تعلق إحدى الجملتين بالأخرى، وهو ظاهر. وحيث أمكن أن تكون (الواو) للعطف أو الابتداء، كما في باقي الأقسام السبعة فالواجب إنما هو الوقف.
وتحقيق ذلك متوقف على ذكر حجج المخالفين وإبطالها، ولنبدأ من ذلك بحجج القائلين بالعود إلى الجميع:
الحجة الأولى: أن الجمل المعطوف بعضها على بعض بمنزلة الجملة الواحدة، ولهذا فإنه لا فرق في اللغة بين قوله اضرب الجماعة التي منها قتلة وسراق وزناة، إلا من تاب وبين قوله اضرب من قتل وسرق وزنى، إلا من تاب فوجب اشتراكهما في عود الاستثناء إلى الجميع، وهي غير صحيحة. وذلك لأنه إن قيل إنه لا فارق بين الجملة والجملتين في أمر ما، لزم أن يكون المتكثر واحدا والواحد متكثرا، وهو محال. وإن قيل بالفرق فلا بد من جامع موجب للاشتراك في الحكم. ومع ذلك، فحاصله يرجع إلى القياس في اللغة، ولا سبيل إليه، لما تقدم.