احتج من قال بالبطلان بأن الاستثناء استفعال مأخوذ من الثني، ومنه تقول:
ثنيت الشئ إذا عطفت بعضه على بعض، وثنيت فلانا عن رأيه، وثنيت عنان الفرس.
وحقيقته أنه استخراج بعض ما تناوله اللفظ، وذلك غير متحقق في مثل قول القائل رأيت الناس إلا الحمر لان الحمر المستثناة غير داخلة في مدلول المستثنى منه، حتى يقال بإخراجها وثنيها عنه، بل الجملة الأولى باقية بحالها، لم تتغير، ولا تعلق للثاني بالأول أصلا. ومع ذلك فلا تحقق للاستثناء من اللفظ، ولا يمكن أن يقال بصحة الاستثناء بناء على ما وقع به الاشتراك من المعنى، بين والمستثنى منه، وإلا لصح استثناء كل شئ من كل شئ، ضرورة أنه ما من شيئين إلا وهما مشتركان في معنى عام لهما، وليس كذلك. كيف وأنه لو قال القائل جاء العلماء إلا الكلاب، وقدم الحاج إلا الحمير كان مستهجنا لغة وعقلا، وما هذا شأنه لا يكون وضعه مضافا إلى أهل اللغة.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن الاستثناء مأخوذ من الثني، بل من التثنية، وكأن الكلام كان واحدا فثنى، وليس أحد الامرين أولى من الآخر.
فإن قيل: لو كان الاستثناء مأخوذا من التثنية، لكان كل ما وجد فيه معنى التثنية من الكلام استثناء، وليس كذلك.
قلنا: ولو كان مأخوذا من الثني، لكان كل ما وجد فيه الثني والعطف استثناء، وليس كذلك. ولهذا لا يقال لمن عطف الثوب بعضه على بعض، أو عطف عنان الفرس إنه استثناء.
قولكم إن الاستثناء استخراج بعض ما تناوله اللفظ دعوى في محل النزاع، وكيف يدعى ذلك مع قول الخصم بصحة الاستثناء من غير الجنس، ولا دخول للمستثنى تحت المستثنى منه. وما ذكرتموه من الاستقباح لا يدل على امتناع صحته في اللغة. ولهذا فإنه لو قال القائل في دعائه يا رب الكلاب والحمير وخالقهم، ارزقني وأعطني كان مستهجنا، وإن كان صحيحا من جهة اللغة والمعنى.
ثم وإن سلمنا امتناع صحة الاستثناء من نفس الملفوظ به مطابقة، فما المانع من صحته، نظرا إلى ما وقع به الاشتراك بين المستثنى والمستثنى منه في المعنى اللازم