الحجة الثانية، أنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا أمر الصحابة بأمر، وتخلف عنه ولم يفعله، فإنهم كانوا يسألونه ما بالك لم تفعله؟ ولو لم يعقلوا دخوله فيما أمرهم به، لما سألوه عن ذلك. وذلك، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم، أنه أمر أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، ولم يفسخ، فقالوا له أمرتنا بالفسخ، ولم تفسخ ولم ينكر عليهم ما فهموه من دخوله في ذلك الامر، بل عدل إلى الاعتذار، وهو قوله إني قلدت هديا وروي عنه أنه قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة.
فإن قيل: يمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، داخلا تحت عموم هذه الأوامر ثلاثة أوجه:
الأول: أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، آمرا لامته بهذه الأوامر، فلو كان مأمورا بها، لزم من ذلك أن يكون بخطاب واحد آمرا ومأمورا، وهو ممتنع، ولأنه يلزم أن يكون آمرا لنفسه، وأمر الانسان لنفسه ممتنع لوجهين:
الأول: أن الامر طلب الاعلى من الأدنى، والواحد لا يكون أعلى من نفسه وأدنى منها.
الثاني: أنه وقع الاتفاق على أن أمر الانسان لنفسه على الخصوص ممتنع، فكذلك أمره لنفسه على العموم.
الثاني من الوجوه الثلاثة أنه يلزم من ذلك أن يكون بخطاب واحد مبلغا ومبلغا إليه، وهو محال.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد اختص بأحكام لم تشاركه فيها الأمة كوجوب ركعتي الفجر والضحى والأضحى وتحريم الزكاة عليه وأبيح له النكاح بغير ولي ولا مهر ولا شهود، والصفي من المغنم، ونحوه من الخصائص، وذلك يدل على مزيته وانفراده عن الأمة في الأحكام التكليفية، فلا يكون داخلا تحت الخطاب المتناول لهم.