وأما من جهة السنة ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه قال: الاثنان فما فوقهما جماعة.
وأما من جهة الاشعار اللغوي فهو أن اسم الجماعة مشتق من الاجتماع، وهو ضم شئ إلى شئ، وهو متحقق في الاثنين حسب تحققه في الثلاثة وما زاد عليها، ولذلك تتصرف العرب وتقول: جمعت بين زيد وعمرو، فاجتمعا، وهما مجتمعان، كما يقال ذلك في الثلاثة، فكان إطلاق اسم الجماعة على الاثنين حقيقة وأما من جهة الاطلاق فمن وجهين:
الأول: أن الاثنين يخبران عن أنفسهما بلفظ الجمع، فيقولان: قمنا، وقعدنا، وأكلنا، وشربنا، كما تقول الثلاثة.
الثاني: أنه يصح أن يقول القائل إذا أقبل عليه رجلان في مخافة: أقبل الرجال.
وذلك كله يدل على أن لفظ الجمع حقيقة في الاثنين، إذ الأصل في الاطلاق الحقيقة.
قال النافون لذلك:
أما قوله تعالى: * (إنا معكم مستمعون) * (26) الشعراء: 15) فالمراد به موسى وهرون وفرعون وقومه، وهم جمع، وقوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * (49) الحجرات: 9) فكل طائفة جمع.
وأما قصة داود فلا حجة فيها، فإن الخصم قد يطلق على الواحد وعلى الجماعة، فيقال هذا خصمي، وهؤلاء خصمي، وليس في الآية ما يدل على أن كل واحد من الخصمين كان واحدا، وقوله تعالى: * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (4) النساء: 11) فالمراد به الثلاثة، وحيث ورثناها السدس مع الأخوين لم يكن ذلك مخالفا لمنطوق اللفظ، بل لمفهومه، بدليل آخر، وهو انعقاد الاجماع على ذلك. والمراد من قوله تعالى: * (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) * (12) يوسف: 83) يوسف وأخوه وشمعون الذي قال: * (لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي) * (12) يوسف: 80) والمراد من قوله تعالى: * (وكنا لحكمهم شاهدين) * (21) الأنبياء: 78)