قولهم: وكان الاستثناء منها نقضا يلزم عليه الاستثناء من الاعداد المقيدة كقوله له علي عشرة إلا خمسة فإنه صحيح بالاتفاق، مع أن لفظ العشرة صريح فيها، وجوابه في الاعداد جوابه في العموم.
قولهم في السادسة إن (من) لو كانت للعموم، لما جمعت، قلنا: قد قيل إن ذلك ليس بجمع وإنما هو الحاق زيادة الواو وإشباع الحركة، وبتقدير أن يكون جمعا، فقد قال سيبويه إنه لا عمل عليه، لما فيه من جمع (من) حالة الوصل، وإنما تجمع عندما إذا حكى بها الجمع المنكر حالة الوقف.
وإذ ذاك فلا تكون العموم.
وأما شبه أرباب الاشتراك: قولهم في الشبهة الأولى إن هذه الصيغ قد تطلق تارة للعموم، وتارة للخصوص، والأصل في الاطلاق الحقيقة.
قلنا: الأصل في الاطلاق الحقيقة بصفة الاشتراك، أو لا بصفة الاشتراك؟
الأول ممنوع، والثاني مسلم وذلك لأنه إذا كان مشتركا افتقر في فهم كل واحد من مدلولاته إلى قرينة تعينه ضرورة تساوي نسبة اللفظ فيه إلى الكل، والقرينة قد تظهر، وقد تخفى. وذلك يفضي إلى الاخلال بمقصود الوضع، وهو التفاهم، وهذا بخلاف ما إذا كان اللفظ حقيقة في مدلول واحد، فإنه يحمل عليه عند إطلاقه من غير افتقار إلى قرينة مخلة بالفهم.
قولهم في الثانية إنه يحسن الاستفهام. قلنا: ذلك لا يدل على كون اللفظ مشتركا، فإنه يحسن مع كون اللفظ متحد المدلول، كما لو قال القائل خاصمت السلطان فيقال أخاصمته؟ مع كون اللفظ حقيقة في شئ ومجازا في غيره، كما سبق تمثيله من قول القائل صدمت جبلا، ورأيت بحرا، ولقيت حمارا فإنه يحسن استفهامه، أنك أردت بذلك المدلولات الحقيقية أو المجازية من الرجل العظيم، والكريم، والبليد. وذلك لفائدة زيادة الامن من المجازفة في الكلام، وزيادة غلبة الظن وتأكده بما اللفظ ظاهر فيه، وللمبالغة في دفع المعارض، كما سبق في التأكيد.
وأما طريق الرد على من فرق من الواقفية بين الأوامر والاخبار، فهو أن كل ما يذكرونه في الدلالة على وجوب التوقف في الاخبار، فهو بعينه مطرد في الأوامر.