الفطر، والاطعام، من ندب إلى فرض ومثل نسخ قيام الليل، فإنه نسخ بالنص المنقول بإجماع من فرض إلى ندب. قال أبو محمد: وقد ادعى قوم في قوله تعالى:
* (ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) *.
قال أبو محمد: وهذا خطأ لأنه ليس إجماعا، ولا فيه بيان نسخ، ولا نسخ عندنا في هذه الآيات أصلا، وإنما هي فرض البراز للمشركين، وأما بعد اللقاء فلا يحل لواحد منها أن يولي دبره جميع من على وجه الأرض من المشركين إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة - على ما نبين في موضعه إن شاء الله تعالى - أو من كان مريضا أو زمنا بقوله تعالى: * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) *.
فإن قالوا: إن الضعيف القلب معذور لأنه دخل في جملة الضعفاء قيل لهم:
هذا خطأ لان من رضي أن يكون مع الخوالف لضعف قلبه، ملوم بالنص غير معذور، وأيضا فإن ضعف القلب قد نهينا عنه بقوله تعالى: * (ولا تهنوا) * ولا يجوز أن يكون تعالى أراد وهن البدن، لأنه لا يستطاع دفعه أصلا والله تعالى لا يكلف إلا ما نطيق، وضعف القلب مقدور على دفعه ولو أراد الجبان أن يثبت لثبت، ولكنه آثر هواه والفرار على ما لا بد له من إدراكه من الموت الذي لا يعدو وقعه ولا يتقدم ولا يتأخر وهذا بين وبالله تعالى التوفيق.
والعجب ممن يقول: إن هذه الآية مبيحة لهروب واحد أمام ثلاثة فليت شعري من أين وقع لهم ذلك؟ وهل في الآية التي ذكروا فرارا أو تولية دبر بوجه من الوجوه، أو إشارة إليه ودليل عليه؟ ما في الآية شئ من ذلك البتة، وإنما فيها أخبار عن الغلبة فقط، بشرط الصبر، وتبشير بالنصر مع الثبات. ولقد كان ينبغي أن يكون أشد الناس حياء من الاحتجاج بهذه الآيات في إباحة الفرار عن ثلاثة: أصحاب القياس المحتجين علينا بقول الله تعالى: * (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) * ويقول لنا: إن ما فوق القنطار بمنزلة القنطار، فهلا جعلوا ههنا ما فوق الاثنين، بمنزلة الاثنين ولكن هكذا يفعل الله بمن ركب ردعه واتبع هواه وأضرب عن الحقيقة جانبا.
وأما نحن فلو رأينا في الآيات المذكورة ذكر إباحة فرار لقلنا به، ولسلمنا