جاء حديث بتخيير من أسلم وعنده أكثر من أربع فكان هذا الحديث موافقا لحال ما نسخ من ترك التحريم لزواج أكثر من أربع، وما كان عليه من أسلم وعنده أكثر من أربع، لأنهم نكحوهن وذلك غير محظور عليهم، فلما نزل التحريم خيروا في أربع منهن، وكان من ابتدأ نكح خامسا فصاعدا، وأكثر من أربع معا، أو أختين، أو أم وابنتها بعد نزول تحريم كل ذلك - عاصيا لله عز وجل، وعاملا عملا ليس عليه أمره فهو رد ففعله ذلك كله مردود. وعقده ذلك فاسد مفسوخ محلول غير ماض أصلا، فصح بذلك ارتفاع التخيير، وأنه إنما كان ذلك للذين نكحوا أكثر من أربع قبل أن يحظر ذلك، وأيضا فلو صح تخيير من ابتدأ نكاح خمس في كفر بعد ورود النهي عن ذلك لما كافي ذلك إباحة تخيير من أسلم، وعنده أختان أو حريمتان، ومع ذلك أيضا: أننا قد أيقنا أنه قد كان في صدر الاسلام: إذا نام الرجل في ليل رمضان، حرم عليه الوطئ والأكل والشرب، ثم نسخ ذلك وجاء حديث أبي هريرة عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أدركه الصبح وهو جنب فقد أفطر، فكان هذه الحديث موافقا لتلك الحال المنسوخة، وقد أيقنا برفعها وبإباحة الوطئ إلى تبين طلوع الفجر، فلا سبيل إلى الرجوع إلى حظر الوطئ إلا ببيان جلي.
ومن ذلك أننا قد أيقنا بأن الوصية لم تكن مدة من صدر الاسلام فرضا، ثم أيقنا نزول وجوب الوصية للوالدين والأقربين، ثم جاء حديث عمران بن الحصين في الستة الأعبد، فكان هذا الحديث موافقا للحال المرفوعة من ألا يلزم المرء أن يوصي لوالديه وأقربيه فلم يجز لنا أن نرفع به حكم الآية التي أيقنا أنها ناسخة للحال الأولى، ولا جاز لنا أن نرجع إلى حالة قد أيقنا أنها حظرت علينا إلا بنص جلي. إن هذا الحديث كان بعد نزول الآية، وبأن أولئك الأعبد لم يكونوا أقارب الموصي بعتقهم، ولا سبيل إلى وجود بيان بذلك أبدا، وبالله تعالى التوفيق.
فصح أن كل ما كان في معنى الحال المتقدمة - من إباحة ترك الوصية للوالدين والأقربين - منسوخ بيقين، ولم يصح أنه عاد بعد أن نسخ، ولا يحل الحكم بالظنون، وأيضا فقد ملك قوم من العرب أقاربهم، وقد كان هراسة أخا عنترة، واستلحق شداد عنترة، وكان هراسة عبدا لأخيه، وقد كان في نساء الصحابة رضي الله عنهم من باعها عمها أخو أبيها، وهي أم ولد أبي اليسر الأنصاري.
قال أبو محمد: ومن استجاز أن يترك اليقين من الآية المذكورة، بأن يقول: لعل حديث عمران في الأعبد الستة نسخها، فليقنعوا من أصحاب أبي حنيفة بقولهم: لعل حكم