فيتقيأ فيألم لذلك، ومن ملوث لثوبه بما يسقط من يده ولو تتبعنا ما في اللذات من عسر ومشقة لطال ذلك جدا، فكيف بالاعمال المكلفة. ولكن العسر والمشقة تتفاضل، فإنما رفع الله عز وجل عنا في بعض المواضع ما لا نطيق، وخفف تعالى في بعضها تخفيفا أكثر من تخفيف آخر. وقد جاء في الأثر:
حفت الجنة بالمكاره فبطل بهذا الحديث نصا قول من قال: إن الله تعالى لا ينسخ الأخف بالأثقل. وصح أن الله تعالى يفعل ما يشاء فينسخ الأخف بالأثقل، والأثقل بالأخف، والشئ بمثله، والشئ بإسقاطه جملة، ويزيدنا شريعة من غير أن يخفف عنا أخرى لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل.
فإن اعترضوا بقوله تعالى: * (الآن خفف الله عنكم) * فهذه حجة عليهم بينة لا محيد عنها، لان التخفيف لا يكون إلا بعد تثقيل، فإذا ثقل علينا تعالى أولا فما الذي يمنع من أن يثقل علينا آخرا إن شاء. وقد كنا برهة خالين من ذلك التثقيل الأول ثم ثقلنا به، فما المانع من أن يعود علينا ثانية كما كان أولا وأن نزاد تثقيلا آخر أشد منه، ويكفي من هذا كله وجودنا ما لا سبيل لهم إلى دفع نسخه تعالى أشياء خفافا بأشياء ثقال. فمن ذلك نسخه تعالى صيام يوم عاشوراء بصيام شهر رمضان، ونسخ إباحة الافطار في رمضان، وإطعام مساكين - بدل ما يفطر من أيامه - بوجوب صيامه فرضا على كل حاضر صحيح بالغ عاقل عالم بالشهر، ولزوم الصيام فيه، ونسخ سقوط الغسل عن المولج العامد الذاكر لطهارته بإيجاب الغسل عليه، ونسخ تعالى إباحة الكلام للمصلي بعد أن كان حلالا بتحريمه، وقد كان الكلام فيها فيما ناب الانسان أخف بلا شك، ونسخ تعالى سقوط فرض الجهاد وبيعة المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء بإيجاب القتال، وحرم الخمر بعد إحلالها وقال تعالى: * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل الا ما حرم إسرائيل على نفسه) * فصح أنه تعالى حرم عليهم أشياء كانت لهم حلالا وقد كان المنسوخ من كل ما ذكرنا أخف من الناسخ بالحس والمشاهدة. وقد بين الله تعالى ذلك بإخباره أن في الخمر والميسر منافع للناس، فأبطل تعالى علينا تلك المنافع ولا يشك ذو عقل أن عدم المنفعة أثقل من وجودها. ونسخ تعالى الأذى والحبس عن