العرايا نسخ بالنهي عن المزابنة، وبقولهم: لعل القصا ص بغير نسخ بالنهي عن المثلة، وليقولوا بقول من منع أن يمسح على الخفين، وقال: لعل ذلك نسخ بآية الوضوء التي بالمائدة، وليأخذوا بقول ابن عباس في إباحة الدرهم بالدرهمين، ويقولوا: لعل النهي عن ذلك نسخ بقوله عليه السلام: إنما الربا في النسيئة وليأخذوا بقول عثمان البتي في إبطال العاقلة، ويقولوا: لعل حكم العاقلة نسخ بقوله تعالى: * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى) * وليبطلوا السلم ويقولوا: لعله نسخ بنهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك، ويستحلوا أكل الحمير والسباع ويقولوا: لعل النهي عنها منسوخ، بقوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما) * الآية.
فإن أبوا من كل ما ذكرنا، وقالوا: لا نقول في شئ من ذلك إنه منسوخ إلا بيقين فكذلك يلزمهم أن يقولوا أيضا بقول ابن عباس: إن الآية القصرى نسخت الآية الطولى فيوجبوا خلود القاتل من المسلمين في نار جهنم أبدا، فإن أبوا ألزمهم مثل ذلك في آية الوصية ولا فرق. وكذلك القول فيمن قال في رضاع سالم، فإنه لما كان مرتبطا بالتبني وكان التبني منسوخا، بطل حكم التعلق به لبطلانه، وكل سبب بطل فإن مسببه يبطل بلا شك، فإن هذا أيضا خطأ، لأنه لم يأت نص ولا إجماع ولا ضرورة مشاهدة بأن هذا الحكم مخصوص به التبني فقط، بل هو عموم على ظاهره ولا يجوز تخصيصه بالدعوى بلا نص ولا إجماع.
فهذه الوجوه الأربعة لا سبيل إلى أن يعلم نسخ آية أو حديث بغيرها أبدا، إما إجماع متيقن، وإما تاريخ بتأخر أحد الامرين عن الآخر مع عدم القوة على استعمال الامرين، وإما نص بأن هذا الامر ناسخ للأول وأمر نتركه، وإما يقين لنقل حال ما فهو نقلي لكل ما وافق تلك الحال أبدا بلا شك. فمن ادعى نسخا بوجه غير هذه الوجوه الأربعة فقد افترى إثما عظيما وعصى عصيانا ظاهرا، وبالله تعالى التوفيق.
فمما تبين بالنص أنه منسوخ قوله تعالى: * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) * ثم قال تعالى: * (فلنولينك قبلة ترضاها) * فهذا تأخير لائح أن القبلة التي كانت قبل هذه منسوخة وأن التوجه إلى الكعبة كان بعد تلك القبلة. وهذا أيضا له إجماع، ومثل قوله تعالى: * (فالآن باشروهن) * فنسخ بذلك النهي عن الوطء في ليل رمضان، ومثل قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * نسخ به قوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) * وهذا نقل مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع، يعني نسخ إباحة