الزواني والزناة والرجم والتغريب، ولا شك عند من له عقل أن الحجارة والسياط أثقل من السب والسجن.
وقد اعترض بعض من يخالف قولنا في هذه المسألة بأن قال في نسخ الحبس عن الزواني: إن الحبس لم يكن مطلقا، وإنما كان مقيدا بوقت منتظرا لقوله تعالى: * (أو يجعل الله لهن سبيلا) *.
قال أبو محمد: وهذا الاعتراض ساقط من وجوه ثلاثة:
أحدها: أنه لا يجد مثل هذا الشرط في أذى الزناة وتبكيتهم ولا في سائر ما ذكرنا من الخفائف المنسوخة بالثقائل.
والثاني: أن كل نسخ في الدنيا فهذه صفته، وإنما هو مقيد عند الله تعالى بوقت محدود في علمه تعالى، كما قالت عائشة في فرض قيام الليل: إنه تعالى أمسك خاتمة الآية في السماء اثني عشر شهرا ثم أنزلها. ولا فرق بين أن يبدي إلينا ربنا تعالى أنه سينسخ ما يأمرنا به بعد مدة وبين ألا يبدي إلينا ذلك حتى ينسخه وكل ذلك نسخ ولا فرق بين معجل النسخ ومؤجله، في أن كل ذلك نسخ.
والثالث: أن السبيل الذي انتظر بهن هو أثقل مما كان عليهن أولا، لأنه شدخ بالحجارة حتى يقع الموت بعد الايلام بالسوط، أو نفي في الأرض بعد الايلام بالسوط، فكانت السبيل المحمولة لهن سبيل الهلاك أو البلاء وكل ذلك أشد من الحبس. وهذا نفس ما اختلفنا فيه فأجزناه نحن وأبوه هم.
وقد اعترض بعضهم في نسخ البيعة على بيعة النساء بإيجاب القتال بأن قال:
كان القتال أثقل علينا في صدر الاسلام لقلتنا، فلما كثر عددنا صار تركه أثقل.
قال أبو محمد: ولو كان لهذا القائل علم بكيفيات الأسماء وحدود الكلام لم يأت بهذا الهذر. ويقال له: أخبرنا، أزاد الناس حين نزول آية إيجاب القتال زيادة قووا بها قوة ثانية أكثر مما كانوا أم لا؟ فإن قال: لا. نقص قوله وتبرأ منه وأخبر أن الحال بعد نزول هذه الآية الموجبة للقتال بعد أن كان غير واجب - كالحال التي كانت قبل نزول إيجاب القتال. وبطل ما قدر من التفاضل في القوة الموجبة لنزول إيجاب القتال، وإن قال: نعم، جمع أمرين