: أحدهما: أنه يقفو ما ليس له به علم ويكذب، والثاني: أنه لم يتخلص بعد من إلزامنا ويقال له: لا بد أنه قد كان بين بلوغهم العدد الذي بلغوه حين نزول آية إيجاب القتال عليهم، وبين نزول الآية وقت ما لا بد منه فقد كان العدد موجودا ولا قتال عليهم. ثم نسخ بإيجاب القتال. وأيضا فإنه ليس في المعقول أصلا، ولا في الوجود عدد إذا بلغته الجماعة قويت على محاربة أهل الأرض كلهم، وقد ألزم الله تعالى المسلمين إذا أمرهم بالقتال مجاهدة كل من يسكن معمور العالم من الناس، والمسلمون يومئذ لم يبلغوا الألف، وقد علم كل ذي عقل أنه لا فرق في القوة - على محاربة أهل الأرض كلهم - بين ألف وألفين وبين واحد واثنين. وإنما ههنا نزول النصر، فإذا أنزل الله تعالى على الانسان الواحد قوي ذلك الواحد على محاربة أهل الأرض كلهم، وعجزوا كلهم عنه، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (والله يعصمك من الناس) * وأيقنا بذلك لو بارزوه كلهم لسقطوا أمامه، ولقدر على جميعهم.
وقد قال بعض المخالفين لقولنا: إن الصبر على القتال أثقل لذي النفس الآنفة.
قال أبو محمد: ويكفينا من الرد على هذه المقالة تكذيب الله عز وجل لها ، فإنه تعالى خاطب الصحابة رضي الله عنهم، وهم آنف الناس نفوسا، وأحماهم قلوبا، وأعزهم همما، أو خاطب أيضا كل مسلم يأتي إلى يوم القيامة وهم أعز الأمم نفوسا، وأقرها على الضيم، بأن قال تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم) * وكفانا عز وجل الشغب والتعب وبين أن الكتاب مكروه عندنا. والمكروه أثقل شئ. وأخبرنا سبحانه وتعالى أن المكروه - الذي هو أثقل - قد يكون لنا فيه خير أكثر مما في الأخف، فقد حكم الله تعالى لنا في هذه المسألة حكما جليا، لا يسوغ لاحد أن يتكلم بعد سماعه في هذا المعنى بكلمة مخالفة لقولنا، والحمد لله رب العالمين.
واعترض بعضهم بأن قال: لم تكن الخمر مباحة، بل كانت حراما بالعقل فلم ينسخ إباحتها.
قال أبو محمد: فنقول وبالله تعالى التوفيق: إذ هذا القائل لو اشتغل بقراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم لكان ذلك أولى به من الكلام في الدين قبل النفقة فيه، وقد روينا في الحديث الصحيح تحليلها قبل أن تحرم، حدثنا عبد الله بن يوسف، عن أحمد