ما يتلى في بيوتهن، حتى تأكله الشاة فيتلف، مع أن هذا كذب ظاهر، ومحال ممتنع، لان الذي أكل الداجن لا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظا له، أو كان قد أنسيه، فإن كان في حفظه فسواء أكل الدواجن الصحيفة أو تركها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنسيه فسواء أكله الداجن أو تركه قد رفع من القرآن، فلا يحل إثباته فيه كما قال تعالى: * (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) *.
فنص تعالى على أنه لا ينسى أصلا شيئا من القرآن إلا ما أراد تعالى رفعه بإنسائه. فصح أن حديث الداجن إفك وكذب وفرية، ولعن الله من جوز هذا أو صدق به، بل كل ما رفعه الله تعالى من القرآن فإنما رفعه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قاصدا إلى رفعه، ناهيا عن تلاوته إن كان غير منسي، أو ممحوا من الصدور كلها، ولا سبيل إلى كون شئ من ذلك، بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجيز هذا مسلم، لأنه تكذيب لقوله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * ولكان ذلك أيضا تكذيبا لقوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * ولكان ما يرفع منه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرما في الدين ونقصا منه، وإبطالا للكمال المضمون، ولكان ذلك مبطلا لهذه الفضيلة التي خصصنا بها، والفضائل لا تنسخ والحمد لله رب العالمين.
وأما فعل عثمان رضي الله عنه: فلم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن مجموع كما هو مرتب، لا مزيد فيه ولا نقص ولا تبديل، والقراءات التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باقية كلها كما كانت، لم يسقط منها شئ، ولا يحل حظر شئ منها قل أو كثر. قال الله تعالى: * (إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) * ولبيانه هذا وتقصي الكلام فيه مكانه من باب الاجماع من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
قال أبو محمد: وقد قال قوم في آية الرجم: إنها لم تكن قرآنا، وفي آيات الرضعات كذلك.
قال أبو محمد: ونحلا نأبى هذا، ولا نقطع أنها كانت قرآنا متلوا في الصلوات، ولكنا نقول: إنها كانت وحيا أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مع