عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم) * فهذا هو عين اليسر وعين التخفيف وإسقاط الحرج، وأين يقع ما كلفناه نحن مما كلفه بعض قوم موسى، من قتل أنفسهم بأيديهم، فكل شئ كلفناه يهون عند هذا، وكذلك ما في شرائع اليهود من أنه من خطر على ميت تنجس يوما إلى الليل، وسائر الثقائل التي كلفوا وحرم عليهم، وخفف عنا ذلك كله. ولله الحمد والمنة.
وأما قوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * فإنما معناه بخير منها لكم، وكلام الله لا يتفاضل في ذاته، فمعناه أكثر أجرا.
ولو احتج بهذه الآية من يستجيز أن يقول: لا ننسخ الأخف إلا بالأثقل لكنا أقوى شغبا ممن خالفه، لأنه لا خلاف أن الأثقل فاعله أعظم أجرا وقد قال عليه السلام لعائشة في العمرة: هي على قدر نصبك ونفقتك كانت الناسخة أعظم أجرا، فلا يكون ذلك إلا لثقلها، فهذه الآية عليهم لا لهم فسقط احتجاجهم بكل ما شغبوا به.
ثم نقول: إن من قال: إن الله تعالى إنما يلزمنا أخف الأشياء: فإنه يلزمه إسقاط الشرائع كلها، لأنها كلها ثقال بالإضافة إلى ترك عملها، والاقتصار على عمل جزء من كل عمل منها، وهذا شئ يعلم بالحس والمشاهدة. فصار قول من خالفنا مؤديا إلى الخروج عن الاسلام جملة ولا عمل في الدنيا إلا وفيه كلفة ومشقة. وقد قال الشاعر:
هل الولد المحبوب إلا تعلة وهل خلوة الحسناء إلا أذى البعل وفي الأكل والشرب مشقة، فلو أن الانسان يصل إلى ذوق الطعوم المستطابة والشبع، دون تكلف تناول ومضغ وبلع، لكان أخف عليه وأقل مشقة وأيسر غررا، فرب مختنق بأكله كان في ذلك حتفه، أو الاشراف على الحتف. ورب متأذ بما يدخل من ذلك في جوفه، وبما يدخل بين أضراسه، ومغث لمعدته