لأمر ربنا، ولكنا لم نجد فيها لإباحة الفرار أثرا ولا دليلا بوجه من الوجوه، وإنما وجدنا فيها أننا إن صبرنا غلب المائة منا المائتين، وصدق الله عز وجل، فليس في ذلك ما يمنع أن يكون أقل من مائة أو أكثر من مائة يغلبون العشرة آلاف منهم وأقل وأكثر، كما قال تعالى: * (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) * وهكذا كله إخبار عن فعل الله تعالى ونصره عز وجل لمن صبر منا فتلك الآية التي فيها أن المائة منا تغلب المائتين، وهي إخبار عن بعض ما في الآية التي فيها أن المائة منا تغلب الألف، وهاتان الآيتان معا هما إخبار عن بعض ما في الآية التي فيها: * (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة) * فلم يخص في هذه الآية عددا من عدد، بل عم عموما تاما.
فإن قال قليل التحصيل: فأي معنى لتكرار ذلك وما فائدته؟.
قيل له: قد ذكرنا الجواب عن هذا الفضول من السؤال السخيف، في باب دليل الخطاب من ديواننا هذا، ولكن لا بد من إيراد بعض ذلك، لورود هذا السؤال فيقول وبالله تعالى التوفيق: هذا اعتراض منك على الله عز وجل، والمعنى في ذلك والفائدة كالمعنى والفائدة في تكرار قصة موسى عليه السلام في عدة مواضع بعضها أتم في الخبر من بعض، وبعضها مساو لبعض، وكما كرر تعالى العنب والرمان والنخل بعد ذكر الفاكهة، وكما كرر تعالى: وأقيموا الصلاة والصلاة الوسطى، بعد ذكر المحافظة على جميع الصلوات. وكما كرر تعالى: فبأي آلاء ربكما تكذبان في سورة واحدة إحدى وثلاثين مرة: ولم يكررها ثلاثين مرة، لا ثمانية وعشرين مرة. ولا كررها أيضا في غير تلك السورة، وكما أخبر تعالى في مكان بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما في مكان آخر بأنه رب الشعرى، ولم يذكر معها غيرها. ولا يسأل رب العالمين عما قال ولا ما فعل، وإنما علينا الايمان بكل ما أتى من عند الله وقبوله كما هو، واعتقاده في موجبه ولا نتعداه، ولنا الاجر على الاقرار به، وعلى تلاوته، وعلى قبوله كما ذكرنا. فأي حظ أعظم من هذا الحظ المؤدي إلى الجنة وفوز الأبد، وهل يبتغي أكثر من هذا الامر إلا من لا عقل له ولا يسأل الله عما يفعل إلا ملحد أو جاهل أو سخيف أو فاسق، لا بد من أحد هذه، وما فيها حظ لمختار.