فإن قال قائل: فما معنى قول الله تعالى: * (الآن خفف الله عنكم) * في الآيات المذكورات. وما هذا التخفيف؟ وهو شئ قد خاطبنا الله تعالى به وامتن به علينا فلا بد من طلب معناه والوقوف على مقدار النعمة علينا في ذلك، وما هذا الشئ الذي خفف عنا، لنحمد الله تعالى عليه، ونعرف وجه الفضل علينا فيه.
فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إن هذا السؤال صحيح حسن، ووجه ذلك أن أول الآية يبين وجه النعمة عليه وموضع التخفيف، وهو قوله تعالى: * (حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * فكان في هذه الآية التحريض لنا على قتالهم، وإيجاب نهوضنا إليهم وهجومنا على ديارهم، ونحن في عشر عددهم، هذا هو ظاهر الآية ومفهومها الذي لا يفهم منها أحد غير ذلك ثم خفف عنا تعالى ذلك وجعلنا في سنة من ترك التعرض للقصد إلى محالهم، إذا كان المقاتلون من الجهة المقصودة أكثر من ضعيفنا، وكنا بالآية الأولى في حرج إن لم نغزهم ونحن في عشر عددهم، فنحن الآن في حرج إن لم نقصدهم إذا كان المقاتلون من الجهة المقصودة مثلينا فأقل، فإن كانوا ثلاثة أمثالنا فصاعدا فنحن في سعة من أن لا نقصدهم ما لم ينزلوا بنا، وما لم يستنفر الامام أو أميره، إلا أن نختار النهوض إليهم وهم في أضعاف عددنا. فأي هذه الوجوه الثلاثة كان قد حرم علينا الفرار جملة، ولو أنهم جميع أهل الأرض والملاقي لهم مسلم واحد فصاعدا، فهذا هو وجه التخفيف. وبهذا تتآلف الآيات المذكورة مع قوله تعالى:
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ومع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا استنفرتم فانفروا ومع إجماع الأمة على أنه إذا نزل العدو ساحتنا، ففرض علينا الكفاح والدفاع.
وأيضا فقول الله عز وجل: * (الان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) * يبين وجه التخفيف، وإنما هو عن فيه ضعف فقط، فصار هذا التخفيف إنما هو عن الضعفاء فقط كقوله تعالى: * (ليس على الضعفاء ولا على المرضى) * الآية.
ومن النسخ الذي بينه النص قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنقول