الأفلاك، وفي الكرسي وتحت العرش وحوله، والليل إنما يبلغ إلى فلك القمر الذي هو سماء الدنيا فقط، والجن مرجومون بالشهب إذا دنوا منها بنص القرآن بقوله تعالى: * (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) * فصح يقينا أن الملائكة لا تلزمهم صلاتنا، لأنهم لا ليل عندهم ولا نهار، وإنما هو في أنوار بسيطة صافية، وإنما تلزم الصلوات في أوقات الليل والنهار.
وقد احتج في هذا بعض من تقدم بأن قال: يقال لمن أبى ذلك: ما الذي أنكرتم؟ أنسخ ما قد فعل، أم نسخ ما لم يفعل، أن نسخ الامر الوارد بالفعل؟
ولا سبيل إلى قسم رابع، فإن قالوا: نسخ ما قد فعل، أحالوا، ولا سبيل إلى نسخ ما قد فعل، لأنه قد فعل وفني، فلا سبيل إلى رده، وإن قالوا: نسخ ما لم يفعل، فقد أثبتوا نسخ الشئ قبل فعله، وهذا هو نفس ما أبطلوا، لان الذي لم يفعل هو غير الذي فعل ضرورة.
فإن قالوا: نسخ الامر فلا فرق بين نسخ الامر قبل أن يفعل الناس ما أوجب ذلك الامر، وبين نسخه بعد أن يفعل الناس ما أوجب ذلك الامر، والفعل المأمور به على كل حال غير الامر به، فلا يتعلق الامر بالفعل لأنه غيره، لان الامر هو فعل الله مجردا، والفعل هو فعلنا نحن فبينهما فرق كما ترى.
قال أبو محمد: وهذه حجة ضرورة لا محيد عنها.
واحتج أيضا بأن قال: إن الامر إذا ورد ففعله فاعلون ثم نسخ فلا خلاف في جواز ذلك، ولا شك في أنه قد بقي خلق كثير لم يعملوا به ممن لم يأت بعد، وقد كانوا مخاطبين بذلك الامر حين نزوله، فقد نسخ قبل أن يعمل به هؤلاء الذين لم يعملوا به، ولا فرق بين أن يجوز نسخه قبل أن يعمل به بعض المأمورين وبين نسخه قبل أن يعمل به أحد منهم.
قال أبو محمد: وهذه أيضا حجة ضرورية لا محيد عنها.
قال أبو محمد: وسألني سائل فقال: لو أمر الله تعالى بأمر فقال: اعملوا بهذا الامر ثمانية متصلة، أو قال أبدا، أيجوز نسخ هذا أم لا؟ فقلت: إن النسخ جائز في هذه لأنه من باب نسخ الشئ قبل أن يعمل به، ولافرق بين أن يأمرنا بخمسين صلاة نصليها، وبين أن يأمرنا بعمل ما أبدا، أو ثمانية أيام،