أيقنا أن تلك الصفات - المسماة برتبة الله تعالى تمييزا - ليست في الحجارة وجب ضرورة أن تسمى مميزة.
وأيضا فقد قال تعالى مصدقا لإبراهيم خليله عليه السلام في قوله: * (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) * وإنما كان يعبد الحجارة. فصح بالنص أنها لا تفهم ولا تعقل.
فلما رأيناه تعالى قد أوقع عليها خشية له، علمنا أن هذه اللفظة هنالك منقولة عن موضعها عندنا إلى صفة أخرى من صفات الحجارة، وهي تصريفه لها تعالى كيف شاء، لا تخرج تلك الخشية عن هذه الجملة التي فسرنا البتة. فهذا وجه إضافة الخشية إلى الحجارة، إذ الخشية المعهودة عندنا هي الخوف من وعيد الله عز وجل، والائتمار لامره تعالى، والحجارة خالية بيقين من كل ذلك، وكيف يخشى من لم يؤمر ولا ينهى ولا كلف ولا وعد أم أي شئ يخشى غير العقاب ولا عقاب إلا على عاص، ولا عاصي إلا مأمور والحجارة ليست بمأمورة، فليست عاصي فلا عقاب عليها ولا خشية عليها نعني الخشية المعهودة فيما بيننا ولا مميز إلا حي، والحجارة ليست حية فليست مميزة.
ومما ذكرنا من نقل بعض الأسماء إلى غير معهودها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرس: إن وجدناه لبحرا فأوقع عليه السلام لفظة بحر على الفرس الجواد، وكذلك لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفق بالقوارير يعني - النساء - كان ذلك نقلا لاسم القوارير عن موضوعه في اللغة عن الزجاج إلى النساء، وكذلك قوله تعالى: * (قواريرا من فضة) * هو نقل أيضا للقوارير عن موضوعه في اللغة عن الزجاج إلى الفضة، إلا أنه لا يحل لمسلم أن يقول في لفظه لم يأت نص ولا ضرورة حس بأنها منقولة عن موضوعها إنها منقولة ولا يتعدى بكل ذلك ما جاء في نص أو ضرورة حس، ولا يصرف لفظ عن موضوعه إلا بأحد هذين الوجهين، وإلا فهي باقية في مرتبتها في اللغة، وليس لاحد أن يصرف عن وجهه إذ لم يصرفه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإن العجب ليكثر ممن يقول إن الشحم يسمى ندى فإذا سئل من أين قلت ذلك؟ أنشد قول أعرابي جلف: