ويفعل الأقل فضلا؟ فأعلمناه عليه السلام يفعل ذلك رفقا منه، كما أخبر عليه السلام أنه لولا رجال من أصحابه لا يتخلفون عنه أصلا، وأنه لا يجد ما يحملهم عليه ما تخلف عن سرية يوجهها في سبيل الله، فأخبر عليه السلام أنه يتخلف عن الجهاد وهو أفضل، خوفا أن يشق على أمته، وهذا كثير.
قال أبو محمد: وأما إذا لم يعلم أي الحكمين قبل: الامر أم الفعل؟ فإنا نأخذ بالزائد، كما فعلنا في نهيه عليه السلام عن الشرب قائما، وروي عنه عليه السلام أنه شرب قائما، وفي نهيه عليه السلام عن الاستلقاء ووضع رجل على رجل، وروي عنه أنه عليه السلام رئي مضطجعا في المسجد كذلك، فأخذنا ههنا بالزائد، وهو النهي في كلا الموضوعين، لان الأصل إباحة الاضطجاع على كل حال والاستلقاء كما يشاء، وإباحة الشرب على كل حال، فقد تيقنا أننا نقلنا عن هذه الإباحة إلى نهي عن كلا الامرين بلا شك في ذلك، ثم لا ندري هل نسخ ذلك النهي أولا؟ ولا يحل لمسلم أن يترك شيئا هو على يقين من أنه قد لزمه، لشئ لا يدري أهو ناسخ أم لا؟ واليقين لا يبطل بالشك، والظن لا يغني من الحق شيئا، فنحن على ما صح لدينا أنه قد لزمنا، حتى يقيم المدعي لبطلانه - علينا البرهان في صحة دعواه، وإلا فهي ساقطة، وبالله تعالى التوفيق.
وهكذا قلنا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مما يليك مع ما قد صح من تتبعه الدباء من نواحي القصعة ولا فرق، على أن هذا الخبر ليس فيه أنه عليه السلام تناول الدباء مما لا يليه، بل يمكن تتبعه من نواحي الصحفة مما يليه، وليس هكذا الأقوال، فإنه صلى الله عليه وسلم إذا قال قولا فيه إباحة، ثم جاء بعد عموم تحريم، إلا أنه ممكن استثناء إباحة قبل، فواجب ضم القولين جميعا إلى واحد، واستثناء الأقل من الأكثر، لان القول بيان جلي، وليس في الفعل بيان المراد: لا بتخصيص ولا بغيره.
قال أبو محمد: فالحاصل من هذا أن القولين إذا تعارضا، وأمكن أن يستثنى أحدهما من الآخر، فيستعملان جميعا لم يجز غير ذلك، وسواء أيقنا أيهما أول أو لم نوقن، ولا يجوز القول بالنسخ في ذلك، إلا ببرهان جلي من نص أو إجماع