صلى الله عليه وسلم عما منعه أن يلقنه الآية، فقال أبي: ظننت أنها رفعت، فقال عليه السلام: لم ترفع فهذا بيان صحة ما ذكرنا من أنه يرفع لفظ الآية جملة.
وأما القسم الذي رفع لفظه وبقي حكمه، فآية الرجم، وآية الخمس رضعات المحرمات وقد تعلل قوم في رد هذا الحديث بقول عائشة رضي الله عنها: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما لمما يقرأ من القرآن.
قال أبو محمد: وهذا لا تعلل فيه، وإنما معناه، أنه يقرأ من القرآن الذي سقط رسمه وإثباته في المصحف، ولم تقل قط عائشة إنه من القرآن المتلو في المصحف فبطل تعللهم، وأما القسم الذي رفع حكمه وبقي لفظه، فقوله تعالى:
* (فأمسكوهن في البيوت) * وقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم) * وآيات كثيرة جدا، وأما الذي ثبت لفظه وحكمه، فسائر الآيات المحكمات.
والأوامر الواردة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منقسمة على الأقسام الأربعة التي ذكرنا أيضا، ولا يظن ظان أن قولنا هذا معارض لقولنا: إنه ليس له عليه السلام لفظ إلا قد بلغ إلينا، فإننا إنما نفينا بقولنا هذا أن يكون له عليه السلام لفظ لم ينسخ حكمه، فيسقط فلا يبلغ إلينا لا لفظه ولا حكمه. فهذا الذي نفينا جملة بقوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * وبقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * وبقوله: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * والحفظ يكون بتبليغ المعنى، فكل حكم نقل إلينا كيفية فعله صلى الله عليه وسلم فيه، وصفة حكمه ولم ينقل إلينا نص لفظه في ذلك، فهو مما ارتفع لفظه وبقي حكمه، وذلك نحو ما روي من قسمه عليه السلام مال البحرين وحكمه بالتمييز مع الشاهد، ومساقاته ومزارعته أهل خيبر، وما أشبه ذلك، فهذا لا بد من أنه قد كان له من ذلك لفظ إلا أنه لم ينقل، ونقل الحكم فهم بمنزلة ما ذكرنا أنه رفع لفظه من التلاوة وبقي حكمه ولا فرق، وكل ذلك وحي من الله تعالى، وأما المنسوخ لفظه وحكمه، فمرفوع عنا علمه وتتبعه وطلبه.