وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية) * قال: فقد أخبر تعالى أن منها ما يهبط من خشية الله، فدل ذلك على أن لها عقلا، أو كلاما هذا معناه.
قال علي: ونحن نقول: إن من العجب العجيب استدلال هذا الرجل بعقله على أنه لا يخشى الله تعالى إلا ذو عقل، فهلا استدل بذلك العقل نفسه على ما شاهد بحسه من أن الحجارة لا عقل لها، وكيف يكون لها تمييز وعقل، والله تعالى قد شبه قلوب الكفار التي لم تنقد إلى معرفته عز وجل بالحجارة في أنها لا تذعن للحق الوارد عليها، فكذب الله تعالى في نفيه المعرفة عن الحجارة نصا، إذ جعلها تعالى بمنزلة قلوب الكفار في عنود تلك القلوب عن الطاعة له عز وجل، فكيف يكون للحجارة عقل أو تمييز بعد هذا.
فإن قال قائل: فما وجه إضافة الخشية إلى الحجارة؟ قلنا له، وبالله تعالى التوفيق : قد قدمنا أن الله تعالى رتب الأسماء على المسميات، وجعل ذلك سببا للتفاهم، ولولا ذلك ما كان تفاهم أبدا، ولا فهمنا عنه تعالى شريعة، ولا علمنا مراده عز وجل في أمر ولا نهي، ولا في خبر أخبرنا به، وعرفنا تعالى بذلك التمييز الذي وضع فينا من صفات المخلوقات ما قد عرفناه، وجعل لتلك الصفات أسماء نعبر بها عنها ونفاهم بها الاخبار عنها. فكان مما رتب لنا من ذلك في اللغة العربية، إن سمينا تمييزا حال من رأيناه يفهم ويتكلم ويسأل عن وجوه الأشياء المشكلة، فيجا ب فيفهم، ويسأل عما علم منها فيجب ويحدث بما رأى وشاهد وسمع، ويؤمر بالكلام وينهى عن ضروب مختلفة من الأفاعيل، فيفهم ما يزاد منه كل ذلك. وكان مما رتب لنا أيضا عز وجل أن لم تكن فيه هذه الصفات سميناه غير مميز، فإن كان من الحيوان مما سوى الملائكة والجن والانس سميناه حيا غير مميز، وإن كان من غير الحيوان سميناه جمادا غير حي، إن كان من الشجر أو الحجارة أو الأرض أو الماء أو النار أو الهواء أو غير ذلك. وأقر تعالى هذه الرتب في أنفسنا - بما وضع فيها من التمييز - إقرارا صار من أنكر شيئا منه ربما آل به إلى أن نسقط عنه الحدود، ولا يقتص منه إن قتل. وتسقط عنه الشرائع، ويصير في محل من لا يخاطب لعدم عقله وتمييزه، فإن زاد ذلك، لم يؤمن عليه أن يغل ويداوي دماغه الذي هو منبعث الحس والحركة، بأنواع كريهة من العلاج. فلما