نعم ربما ضبطوا في التاريخ أول واضع في كل لغة، كما حكي أن المخترع للغة العرب يعرب، وهكذا الأمر لمخترعي سائر اللغات، وان كان [الواضعون] في كل طائفة أيضا غير محصورين.
ولعمري إن الوجدان السليم يساعد ما ذكرنا، ولا أقل من امكانه واحتماله فينسد حينئذ طريق كشف الربط والخصوصية بين اللفظ والمعنى أو كون الواضع هو الباري عز اسمه، فلا محيص حينئذ إلا من الالتزام [بعدم] انتهاء دلالة الألفاظ إلى المناسبات الذاتية، ولا كون الواضع علام الغيوب، بل من الممكن وضع الألفاظ من المخلوقين لمحض [انتقالهم] إلى لفظ من باب الإتفاق بالنسبة إلى معنى كذلك، أو لا أقل من جهة خصوصية في نفس وضعه بلا ربط بين اللفظ والمعنى كما نشاهد في وضع الأعلام الشخصية أو المعاني الحادثة الاختراعية.
وما نرى أيضا من بعض المناسبات العرضية في بعض المقامات غير مرتبط بمحل البحث إذ هي أمور عرضية ملحوظة أحيانا غير مرتبطة بالمناسبة الذاتية المقتضية لتعيين اللفظ لمعناه بالطبيعة (1) كما هو المدعى كما لا يخفى.
وحيث اتضح لك ما تلوناه وانتهى أمر الدلالة إلى نحو علقة واختصاص حاصل بين اللفظ والمعنى من جعل جاعل أو كثرة استعمال يبقى الكلام في شرح حقيقة هذه العلقة فنقول:
أولا: إن هذه العلقة هي نحو من الارتباط الحاصل بين المرآة ومرئيه بحيث لا يلتفت إلى اثنينيتهما، ويحسب أحدهما قالبا للآخر ونحو وجود له وكانا بنحو يكون الانتقال بأحدهما عين الانتقال بالآخر، وربما [تسري] صفات أحدهما إلى الآخر، فقبح المعنى ربما يسري إلى اللفظ، كما أن تعقيد اللفظ قد