أنحاء كثير من العلوم العقلية من الفلسفة والرياضة، وبين غيرها من الأدبية والنقلية، في وجه احتياج امتيازها إلى ميز الموضوع أو الغاية، فلا مجال لجري جميع العلوم على منوال واحد فيما به الامتياز. وببالي ان [الناظرين] في العلوم النقلية [نظروا] إلى ديدن أهل العلوم العقلية و [رأوا] انهم بنوا في امتياز علومهم غالبا بموضوعاتها، وغفلوا عن نكتة نظرهم، فاتبعوهم رمية من غير رام، وأجروا مثل هذه القاعدة في علومهم أيضا فوقعوا من الالتزام بهذا المسلك في علومهم الأدبية والنقلية في حيص وبيص. وربما التزموا بمحاذير ربما نشير إليها في طي الكلام.
فالأولى جعل العلوم [صنفين] صنف لا يكون امتيازها إلا بأغراضها وصنف لا يكون امتيازها إلا بموضوعاتها، وحيث كان الامر كذلك فلا محيص لنا أيضا من شرح الموضوع، وشرح العوارض الذاتية الواقعة في كلماتهم عند تعريفهم موضوع العلم كي نكون على بصيرة في جميع العلوم فنقول وعليه التكلان: ان توضيح هذه العويصة أيضا منوط بتمهيد مقدمتين.
إحداهما: ان الأوصاف المنسوبة إلى شئ، تارة [تنتزع] من نفس ذات الشئ كالأبيضية والموجودية، المنتزعتين عن البياض والوجود، وأخرى منتزعة عن جهة خارجة عن ذات الموصوف.
وفي هذه الصورة تارة يكون اتصاف الذات [بها] باقتضاء ذاته (1) وذلك كتوصيف بعض الأنواع والفصول ببعض خواصها كتوصيف العقل بالمدركية والانسان بقوة الضحك [والتعجب] وأخرى لا يكون إلا باقتضاء امر خارجي وذلك أيضا: