وقد يقال: بأن اعتبار الاجتهاد على الوجه المذكور أعم صدقا من الفقاهة، لإمكان حصول الملكة المذكورة من دون علم بالفعل بشئ من المسائل الفقهية وهو متجه إن اعتبرنا في صدق الفقاهة حصول الفعلية بقدر يعتد به كما هو الأظهر، حسب ما مر. وأما إن اكتفينا بمجرد حصول القوة القريبة لاستنباط الأحكام عن الأدلة فلا يتجه ذلك. وقد يقال بناء على الأول باعتبار الفعلية كذلك في صدق الاجتهاد أيضا، نظرا إلى مساوقة لفظ المجتهد للفقيه بحسب إطلاقاتهم، فمن يعتبر ذلك في صدق الفقيه لا بد أن يعتبره في صدق المجتهد أيضا. فعلى هذا يشكل الحال في التحديد المذكور أيضا.
ثم إن ظاهر الحد المذكور يعم الاجتهاد المطلق وغيره، وهو بناء على جواز التجزي لا إشكال فيه، وأما بناء على المنع منه فيشكل الحال فيه، فإن الظاهر بناء على القول المذكور عدم كون استفراغه فيما يقدر على استنباطه من المسائل ولا ملكته التي يقتدر بها على ذلك اجتهادا في الاصطلاح، كما ينبئ عنه تعبيرهم عن تلك المسألة بأن الاجتهاد هل يقبل التجزئة أم لا؟
والقول باندراجه في الاجتهاد وإن لم يعول به بناء على القول بعدم التجزي خروج عما يقتضيه ظاهر الإطلاقات كما لا يخفى.
هذا وللاجتهاد إطلاق ثالث، وهو أن يراد به استنباط حكم المسألة عما عدا النص من الأمارات الظنية، ومنه: ما يقال في مقام دفع بعض الاستنباطات الظنية أنه اجتهاد في مقابلة النص، وقد يحمل عليه ما مر في الذريعة في تعريف الاجتهاد من أنه عبارة عن إثبات الأحكام الشرعية بغير النصوص، بل بما طريقة الأمارات والظنون، وكأنه المراد بما ورد من ذم الاجتهاد وعدم جواز البناء عليه في استنباط الأحكام، وبما ذكره علماء الرجال من تصنيف بعض قدمائنا كتابا في الرد على الاجتهاد، حيث إن المناط في استنباط الأحكام الشرعية عندنا هو النص وما بمنزلته دون سائر الأمارات والاعتبارات التي يبتنى عليها الاجتهاد بالمعنى المذكور.