فلا أقل من احتمال أن يكون المظنون عنده خلاف ذلك بعد اجتهاده فيه وهو أيضا كاف في المقام.
قلت: بعد ما تقرر بملاحظة ما بيناه أن الاجتهاد الواجب هو استفراغ الوسع في معرفة الحكم بعد تحصيل المرتبة المفروضة من الملكة كان ذلك هو الواجب على سبيل الكفاية، فدوران الأمر في المكلف بين أن يكون مجتهدا أو مقلدا، عالما أو متعلما يقضي بوجوب التقليد عليه، لما دل على وجوب التقليد على كل من لم يبلغ تلك الدرجة نظرا إلى عدم انتهاء ظنه إلى العلم فلا يندرج في العالم، إذ مجرد الظن الغير المنتهي إلى اليقين لا يعد علما، فيندرج فيما يقابله - أعني الجهل - ووظيفته الرجوع إلى العالم. فليس المقصود بالوجه (1) المذكور إثبات وجوب التقليد عليه ابتداءا حتى يقال: إنه عند دوران الحكم في شأنه بين الأمرين لا وجه لترجيح التقليد على الأخذ بظنه مع اشتراكهما في مخالفة الأصل، بل ينبغي ترجيح الأخذ بالظن إلى ما ذكر. وإنما المراد أن الملحوظ في المقام اندراجه في موضوع الجاهل ليتعين عليه الرجوع إلى العالم، أو من قام الدليل القاطع على قيام ظنه مقام العلم، فصار المحصل أن وجوب رجوع الجاهل إلى العالم أمر معلوم، وإنما الكلام في المقام في اندراج المتجزئ في موضوع الجاهل.
وبعد ملاحظة الوجه المذكور يتبين اندراجه فيه، إذ قد عرفت أن قضية العقل حينئذ هو حجية الظن في الجملة على سبيل القضية المهملة، وقضية ترجيح ظن المطلق من جهة القوة انصراف المهملة إليه، فيبقى ظن غيره مجهولا، فلا يكون الظان المذكور عالما بما هو الحكم في شأنه فلا محالة يندرج في الجاهل.
وما ذكر: من أن الظن أقرب إلى العلم فيتعين عليه الأخذ به حتى يقوم الدليل على الاكتفاء بغيره إنما يفيد في المقام إذا ثبت كونه من أهل الاستنباط، إذ بعد وجوب الاستنباط عليه لا وجه لترك الأقوى والأخذ بالأضعف من دون قيام الدليل عليه.