المتأخرين أيضا، حيث حكم بعدم الفرق بين أن يكلف أولا على الاجمال ثم يأمر وينهى على التفصيل، أو يكلف بالتفصيل ثم يأمر بالمجمل تأكيدا، كما يقول:
امتثلوا ما أمرتم به.
وتوضيح المقام: أن الأوامر المتعلقة بوجوب الامتثال لتكاليف الشرع ولزوم الطاعة قد أفادت وجوب طاعته في جميع أوامره ونواهيه، ولا ريب في إجمال هذا المأمور به وعدم وضوحه عندنا، للشك في كثير من الأوامر والنواهي الشرعية، فإن كان الاجمال المفروض باعثا على لزوم الاحتياط في تفريغ الذمة جرى في المقامين، وإن بنى على الاقتصار على القدر المعلوم ونفي ما عداه بالأصل جرى فيهما أيضا.
فيدفعه: أن التكليف المذكور ليس زائدا على التكاليف الخاصة المتعلقة بمواردها المخصوصة حتى يكون هناك واجبان، أحدهما من جهة الأمر المتعلق بالفعل، والآخر من جهة الضرورة القاضية بوجوب الطاعة، أو الأوامر الدالة عليه.
وحينئذ نقول: إن العلم الاجمالي بحصول تلك التكاليف المتفرقة لا يفيد العلم بحصول تكليف زائد على القدر المعلوم من التكاليف، والامتثال بذلك القدر المعلوم لا يتوقف على غيره قطعا، فبعد تحقق الامتثال بالنسبة إليها، وعدم العلم بتعلق الطلب بغيرها لم يتحقق علم بالاشتغال رأسا حتى يتوقف على العلم بالفراغ، بخلاف المقام، لتحقق التكليف بالمجمل، وعدم العلم بالامتثال أصلا، مع الاقتصار على القدر المعلوم. ولو سلم حصول تكليف آخر على جهة الاجمال متعلق بوجوب الامتثال فليس امتثاله بحسب متعلقاته مما يتوقف بعضها على بعض فيقتصر إذن على القدر المعلوم وينفى الباقي بالأصل، للعلم بحصول الامتثال بالنسبة إلى المعلوم، وعدم تحقق الاشتغال من أصله بالنسبة إلى غيره حسب ما مر تفصيل القول فيه. وهذا بخلاف المقام، إذ المفروض حصول العلم بالاشتغال مع انتفاء العلم بحصول الامتثال رأسا.
وأما الثاني: فبأن متعلق التكليف مجمل في المقام، وليس التكليف بالأقل