ذلك الشئ ورجعنا في ذلك إلى العرف، ولما رجعنا في مقدمة العلم إلى حال الشارع في التكاليف لم نقطع بأنه مما يوجب في الأمر الإتيان بكل ما وقع فيه الاشتباه، ولا في النهي تركه، بل نجيز أن يقنع هنا بأحد الأمرين، فإنا نفرق بين الشاهد والغائب من حيث إن المصلحة في الشاهد تعود إليه بخلاف الغائب، فإنها تعود إلى المأمور، فلا يبعد أن يقنع منه عند الاشتباه بالتكليف بأحد الأمرين، ولا أقل من الجواز. وحينئذ فنمنع وجوب ما وقع فيه الاشتباه متعلقين بأصل البراءة، وهذا بخلاف ما إذا كان المكلف به معلوما ثم عرض الاشتباه ولا يتم إلا بالضميمة، كما في غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين وستر العورة ونحو ذلك، فإنه مما علم فيه الشغل بشئ بعينه ولم يقع الاشتباه في التكليف انتهى. وضعفه ظاهر من وجوه:
أحدها: أنه كما يعقل من حال الأمر وجوب الإتيان بجميع ما يتوقف عليه ذلك الفعل كذا يعقل منه وجوب العلم والاطمئنان بأداء ما هو الواجب، إذ الاكتفاء بمجرد احتمال الأداء تفويت للمصلحة المترتبة عليه، إذ الاحتمال قد يطابق الواقع وقد لا يطابقه، من غير فرق بين ما يكون المصلحة عائدة إلى الآمر أو المأمور، كيف وقد أقر به في الصورة الثانية وقد مثله بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس وستر العورة، مع أنه ليس مما يتوقف عليه أداء الواجب.
ثانيها: أن الدليل على وجوب المقدمة ليس منحصرا في المذكور فلو سلم عدم جريانه في المقام كان ما ذكرناه من حكم العقل بلزوم التحرز عند خوف الضرر كافيا في المقام، ومجرد تجويز اكتفاء الشارع بأحد الأمرين لا يوجب زوال الخوف وهو ظاهر.
ثالثها: أنه مع الغض عما ذكرناه أي فارق بين ما إذا دار نفس التكليف بين شيئين أو وقع هناك شك في الموضوع؟ إذ كما يحتمل اكتفاء الشرع هناك بأحد الأمرين يحتمل في المقام، وتعين نفس المكلف به في الثاني لا يقضي بوجوب الجميع، إذ الاكتفاء المذكور إنما هو بحسب ظاهر التكليف في المقامين، فلا يمكن