متحققا على الحالين ليؤخذ به وينفى الباقي بالأصل، على ما مر تفصيل القول فيه عند الاحتجاج على المختار.
وأما الثالث: فبأن من البين وضع الألفاظ للأمور النفس الأمرية من غير مدخلية في وضعها للعلم والجهل بالمرة، وقضية الأصل والطريقة الجارية في المخاطبات البناء على استعمالها في معانيها الموضوعة حتى تقوم قرينة صارفة عنها. فالقول باستعمالها في خصوص ما يفهمه المخاطب من ذلك الخطاب - كما يتخلص من ملاحظة الاحتجاج المذكور وعليه يدور صحة الاحتجاج به - غير وجيه، بل غير معقول، لرجوع ذلك إلى عدم قصد شئ مخصوص من العبادة، واستعماله في معنى مجهول هو ما يفهمه المخاطب كائنا ما كان. وأعجب منه ما حكم به من جريان طريقة التخاطب عليه. وأما ما ذكر من جريان الطريقة على الأفهام بحسب ظاهر الحال فهو لا يدل على ذلك بوجه، أفذاك إنما يكون وجها لعدم تنصيص الشارع على المقصود بحيث لا يحتمل الخلاف بأن يقال: إنما جرى في المخاطبات على ظواهر الألفاظ كما هو قانون أصحاب اللسان في البيان، لا أن مقصوده من العبارة هو ما يفهمه المخاطب وإن غلط في الفهم وفهم خلاف ما هو الظاهر من اللفظ بحسب الواقع، فالقدر اللازم حينئذ هو تكليفهم بظواهر الألفاظ ما لم يقم هناك صارف عنها.
ومن البين: كشف ذلك حينئذ عما هو مقصوده في الواقع، إذ لو أراد حينئذ غيره لزم الإغراء بالجهل والتكليف بالمحال، وأين ذلك من كون المراد بتلك الخطابات ما يعتقده المخاطب ويفهمه من تلك العبارات.
نعم ما يفهمه المخاطب من تلك الخطابات مع عدم التقصير في الفهم يكون مكلفا به في ظاهر الشرع إلى أن يتبين له الخطأ في الفهم. وكذا الكلام فيما يثبت عند المجتهد من الأحكام بعد بذل الوسع في تحصيله، فإنه مكلف [بما يعمل (1)] بما أداه إليه الأدلة الشرعية وإن فرض مخالفته لما هو الواقع، وذلك لا يستلزم أن