فهذه جملة ما يتخيل من الوجوه لإجراء الأصل في ماهية العبادة، وهي بضميمة الوجوه المتقدمة على هذه ترتقى إلى اثنى عشر وجها، ولا يذهب عليك وهن الجميع.
أما الأول: فبأن حجية أصالة البراءة ليست مبنية على الظن، فضلا عن البناء على أصالة الحجية فيه، بل الغالب في موارد الاحتجاج به عدم حصول الظن منها.
ولو فرض حصول ظن منهما في بعض المقامات فذلك من المقارنات الاتفاقية لم يقم دليل على حجيته، ولذا لا يكون قابلا لمعارضة شئ من الأدلة. ولو كانت حجيتها من جهة الظن كانت كباقي الأدلة يراعى في الترجيح بينها جانب القوة مع أنها ليست كذلك.
والحاصل: أن أصالة البراءة قاعدة مستفادة من العقل والنقل كما مر القول فيه في نفي الحكم، والحكم ببراءة الذمة مع عدم قيام شئ من الأدلة على ثبوت شئ من التكاليف الشرعية، فعلى القول باعتبار الظنون المخصوصة إنما تنهض حجة مع عدم حصول شئ من تلك الظنون على ثبوت التكليف، ومع البناء على أصالة حجية الظن إنما يصح الاستناد إليها مع انتفاء مطلق الظن بثبوت الحكم، فهي نافية للحكم إلا فيما دل الدليل فيه على الثبوت، وليست حجيتها مبنية على الظن بالنفي كما عرفت في وجوه الاحتجاج عليها، ويدل عليه ملاحظة إجرائها في سائر مواردها، فهي قاعدة في مقابلة قاعدة الظن فيما إذا لم يقم هناك دليل ظني على النقل مطلقا على القول بأصالة حجية الظن، أو ظن مخصوص على القول الآخر، وإنما لم يجروا عليه أولا من جهة لزوم الخروج عن الدين حسب ما قرر في الاحتجاج على أصالة الظن.
إذا عرفت ذلك ظهر ضعف الاحتجاج المذكور، لظهور فساد ابتنائه على أصالة حجية الظن وإذا بطل كونه المناط في حجية الأصل المذكور لم يصح الحكم بالحجية في المقام من جهة جريان المناط المذكور فيه، بل الأمر فيه بالعكس، إذ بعد فرض اشتغال الذمة بالمجمل ينبغي استصحاب ذلك الشغل حسب ما مر.