ألا ترى أنهم يقولون بحجية أخبار الآحاد مع أن فيها من جهات الوهن ما لا يحصى، لابتناء الاحتجاج بها على معرفة أحوال رواتها وتعيين الراوي المشترك، ولا يكون شئ منها غالبا إلا بإعمال ظنون ضعيفة وأمارات خفية، وكذا الحال في تصحيح دلالتها ومعرفة مفاد الألفاظ الواردة فيها أفرادا وتركيبا، وكذا الحال في التعارض الحاصل بينها.
والحاصل: أن جهات الظن فيها سندا ودلالة وعلاجا كثيرة جدا، وكثير منها ظنون موهومة في الأغلب لا مناص لهم عن الأخذ بها والظن الحاصل من الشهرة أقوى بكثير من كثير منها.
ويرد عليه: أن ما ذكره من قبيل القياس بالطريق الأولى - المعبر عنه بالقياس الجلي - وهو من قبيل القياسات العامة لا حجة فيه عندنا.
نعم ما كان منه من قبيل مفهوم الموافقة بحيث يندرج في الدلالات اللفظية كان خارجا عن القياس وكان حجة، وذلك غير حاصل في المقام، إذ ليس هنا لفظ يدل على حجية ما ذكر من الظنون الموصوفة ليكون التعدي عنها إلى ذلك مندرجا في مداليل الألفاظ، أقصى الأمر أن يثبت حجيتها بالإجماع ونحوه، فيكون التعدي عنها من قبيل القياس الجلي.
وقد يجاب عنه: تارة بأن الاجماع ونحوه وإن لم يتضمنا لفظ الشارع صريحا إلا أنهما كاشفان عن قوله، وليست حجيتهما عندنا إلا من جهة الكشف عن قوله، فهو الحجة في الحقيقة لا هما، وحينئذ مآلهما إلى اللفظ، فإذا كان الأصل المذكور مستفادا من اللفظ كان ما يلزمه أيضا كذلك، وإن لم يتعين ذلك اللفظ عندنا.
وأخرى بأن المناط في الرجوع إلى الأدلة الظنية، وهو تحصيل الواقع على سبيل الظن بعد انسداد سبيل العلم به، وبعد تنقيح المناط المذكور كما هو ظاهر عند العقل السليم يثبت ذلك في ما نحن فيه بطريق الأولوية القطعية، لحصول المناط هنا بالنحو الأقوى.
ومنها: الروايات المستفيضة الدالة عليه الواردة من طرق العامة والخاصة،