لا يقال: إنه يوجب على التقرير المذكور يرجع هذا الدليل إلى الدليل الأول.
لأ نا نقول: إن مرجع الدليل الأول إلى لزوم التكليف بما لا يطاق في معرفة الأحكام لو لم يعمل بظن المجتهد، ومرجع هذا الدليل إلى أن ترك العمل بالظن يوجب الظن بالضرر.
فإن قلت: لو لم يحصل الظن بشئ حين انسداد باب العلم فما المناص في العمل والتخلص من لزوم تكليف ما لا يطاق؟ فإن عملت بأصل البراءة حينئذ فلم لم تعمل به من أول الأمر؟
قلت: إنما لا نعمل به أولا لأن الثابت من الأدلة كون جواز العمل به متوقفا على اليأس عن الأدلة بعد الفحص، فكما يعتبر الفحص في اليأس عن الأدلة الاختيارية فكذا الحال في الأدلة الاضطرارية، فالحال في الظنون الغير المعلوم حجيتها بالخصوص إذا تعارضت أو فقدت حال الظنون المعلوم الحجية إذا تعارضت أو فقدت، فما يبنى عليه هناك من التوقف في الفتوى أو الرجوع إلى الأصل يبنى عليه هنا، وكما لا يرجع هناك إلى الأصل مع وجود الدليل وانتفاء المعارض كذا لا يرجع إليه هنا.
وأجاب عن الثالث: تارة بأن عدم جواز العمل بخبر الفاسق إذا أفاد الظن أول الكلام، واشتراط العدالة في الراوي معركة للآراء، وقد نص الشيخ (رحمه الله) بجواز العمل بخبر المتحرز عن الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه، والمشهور بينهم أيضا جواز العمل بالخبر الضعيف المنجبر بعمل الأصحاب، ولا ريب أن ذلك لا يفيد إلا الظن.
والحاصل: أنا لا نجوز العمل بخبر الفاسق لأجل عدم حصول الظن أو لحصول الظن بعدمه لا من جهة كونه فاسقا وإن حصل الظن به، وبمثل ذلك نقول:
إذا ورد النقض بالقياس فيكون حرمة العمل به من جهة عدم حصول الظن منه، وذلك علة منع الشارع من العمل به لا أنه لا يعمل به على فرض حصول الظن.
وتارة بأن ما دل الدليل على عدم حجيته كخبر الفاسق أو القياس إنما يستثنى من الأدلة المفيدة للظن، لا أن الظن الحاصل منه مستثنى من مطلق الظن حتى يرد