ويكون تعليله الثاني تأييدا له من جهة حصول الظن منها بمطابقة الواقع، بناء على عدم حجية مطلق الظن كما هو المقرر عندنا، وبذلك يندفع التدافع المتخيل بين تعليله حسب ما أورده بعض الأجلة كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله.
وكيف كان، فقد حكي اختيار ذلك عن المحقق الخوانساري وربما يعزى ذلك إلى المصنف نظرا إلى كلامه الآتي مع ما ذكره في الدليل الرابع على حجية أخبار الآحاد، وهو بعيد عن مذاقه جدا، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
وقد اختار بعض الأفاضل من متأخري المتأخرين حجيتها إذا لم تخل عن حجة ولو رواية ضعيفة ونحوها، فصارت الأقوال فيها إذن ثلاثة، والأقوى الأول.
ويدل عليه أمور:
أحدها: الأصل فإن إثبات الحجية يتوقف على قيام الدليل عليه، وحيث لا دليل على صحة الرجوع إليها والحكم بمقتضاها - حسب ما نقرره من ضعف متمسك المجيز - لم يجز التعويل عليها، مضافا إلى أن النواهي المتعلقة بالأخذ بالظنون شاملة لها من غير ريب، فمع عدم قيام دليل على جواز الاتكال عليها لا يجوز الأخذ بها.
ثانيها: أن المعلوم من حال الفقهاء قديما وحديثا أصولا وفروعا عدم الحكم بشئ بمجرد شهرته بين الأصحاب، بل لا زالوا يطالبون بأدلة المشهورات ويتوقفون عن الحكم حتى ينهض دليل عليها، وذلك أمر معلوم من ملاحظة تصانيفهم والتتبع في مناظراتهم واحتجاجاتهم، قد استمرت عليه طريقتهم بحيث لا مجال لإنكاره، فصار ذلك إجماعا من الكل، كيف ولو كانت الشهرة حجة عندهم لكان من أبين الحجج وأوضحها وأظهر الأدلة وأكثرها وأقلها مؤنة وأسهلها، وشاع الاحتجاج بها عندهم، وكانت أكثر دورانا من سائر الحجج مع أن الأمر بعكس ذلك، فإنا لم نجد أحدا من المتقدمين والمتأخرين قد تمسك بها في مقام الاحتجاج على شئ من المطالب إلا ما يوجد في بعض كلمات العلامة (رحمه الله) في شذوذ من المقامات عن التمسك بها، وهو من قبيل ضم المؤيد إلى الدليل على