وأنت قد عرفت وهن الوجه الأول وكذا الثاني، فإنه الوجه الثالث من الوجوه المتقدمة لتصوير إرادة الجنس في المقام وهو في غاية البعد، فإن اسقاط معنى الجمعية وإرادة نفس الطبيعة من اللفظ مع كونه مجازا كما اعترف به بعيد عن ظاهر الاستعمالات.
وقد عرفت أن الظاهر في حمله على الجنس هو ما مرت الإشارة إليه وحينئذ فيكون التعدد ملحوظا في معناه على ما هو مقتضى الجمعية.
غاية الأمر أن يكون تعريف الأفراد الملحوظة فيه من حيث اتحادها مع الطبيعة - حسب ما مر بيانه - فلا تجوز في المقام ولا يحصل الامتثال حينئذ إلا بالإتيان به كذلك، ولذا لو أوصى شيئا للفقراء أو السادات وغيرهم من غير المحصور حيث لا يمكن إرادة العموم منها ويتعين حملها على الجنس لم يجز الدفع إلى ما دون الثلاثة كما نصوا عليه، وكذا الحال في النذور والأيمان وغيرها.
نعم لو قامت القرينة على قطع النظر عن ملاحظة الجمعية وإنما أريد حصول الفعل من ذلك الجنس وإنما لوحظ فيه خصوص الجنسية دون غيرها اكتفي بالواحد، وحينئذ فإما أن يكون ذلك بتخصيص الجمع بمطلق الجنس أو بإسناد الفعل المتعلق بالبعض إلى الجماعة على نحو " بنو فلان قتلوا فلانا " وكلا الوجهين مجاز بعيد غالبا عن ظاهر الاستعمالات كما لا يخفى.
رابعها: أن ظاهر ما يتراءى من دلالة الجمع المعرف على العموم أن يكون متعلقا للنفي أو النهي قاضيا بإفادة سلب العموم - أي دفعا للإيجاب الكلي الحاصل بالسلب الجزئي على حد النفي الوارد على سائر العمومات نحو قوله: ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وما كل برق لاح لي تستفزني، إلى غير ذلك - لكن لا يساعده في المقام كثير من الإطلاقات، فإن الظاهر هو السلب الكلي. ويمكن توجيهه بأن النفي أو النهي قد يرد على كل من جزئيات الجمع ليكون كل منها مناطا للنفي أو النهي وقد يرد ذلك على العموم المستفاد منه كان العموم الملحوظ فيه مجموعيا أو أفراديا.