إلى اعتبار حيثية الحصول في ضمن الفرد في مدلول المادة، فإن إيجاد الطبيعة إنما يكون بإيجاد فردها، وتركها إنما يكون بترك جميع أفرادها - حسب ما عرفت - فمرجع الأمر في ذلك إلى المحصورة وإن لم يلاحظ الحصول في ضمن الفرد في خصوص مواردها، ولو سلم كون الطبائع المدلولة لمواردها ملحوظة من حيث وجودها في ضمن الفرد فهو أيضا كاف في المقام، لأن المرجع فيها إلى النكرة وهي تفيد العموم في المقام، فإن ترك مطلق الطبيعة في ضمن الفرد إنما يكون بترك جميع أفرادها، لعين ما مر. نعم لو كان مفاد ذلك حصول الترك في ضمن الفرد في الجملة تم ذلك، إلا أنه ليس من مدلول الصيغة في شئ هذا.
ومع الغض عن كون الدوام لازما عقليا للنهي على الوجه المذكور، فلا شك في كون ذلك هو المنساق منه عرفا، فلا أقل إذا من الظهور العرفي لو لم نقل باللزوم العقلي، ومنع انفهام ذلك منه في العرف يكاد يشبه إنكار الضروريات، كما لا يخفى على من تأمل في الاستعمالات وموارد الإطلاقات.
ثم إن بعض الأفاضل بعدما أنكر ثبوت الدلالة على كل من الوجهين المذكورين تمسك في دلالة النواهي المطلقة على الدوام بوجه ثالث، وذلك بالرجوع إلى دليل الحكمة إذ لا وجه لإرادة النهي عن الفعل في وقت غير معين، لما فيه من الإغراء بالجهل ولا معين، لانتفاء التعيين إذ المفروض إطلاق النهي فتعين إرادة النهي عنه على وجه العموم.
وأنت خبير بما فيه: فإنه مدفوع أولا: بالنقض بالأمر فإنه لا وجه لإرادة الإتيان به في زمان معين، لانتفاء التعيين، ولا في زمان غير معين، لما فيه من الإغراء بالجهل، فتعين إرادة الدوام، مع أنه لا يقول به. وثانيا بأن هناك احتمالا آخر وهو إرادة التخيير في أداء المطلوب بالنسبة إلى الأزمنة كما هو الحال في الأمر، فإذا كان الحال في النهي نظير الأمر في عدم الدلالة على الدوام جرى فيه التخيير الذي يثبت في الأمر.
قوله: * (إن النهي يقتضي منع المكلف من إدخال ماهية الفعل... الخ) *.