الشريعة سواء كشف عن الواقع أو انكشف خلافه فانقطع كونه طريقا صح الفرق بين الحدين، فإن الفعل بعد انكشاف الخلاف قد وقع على وفق الأمر المقرر في الشريعة، وإن لم يكن حينئذ كاشفا عن الواقع كان متجها لكنه بعيد عن التفسير المذكور. فالأظهر - على حسب ما قررنا - عدم اختلاف الحدين في ذلك فلا فارق بين الحدين من الجهة المذكورة، وليس اختلاف الحدين مبنيا على اختلاف الاصطلاح في الصحة حتى يكون الصحيح في اصطلاح فاسدا في آخر، وإنما اعتبر كل من الفريقين أمرا في التعريف خلاف ما اعتبره الآخر يوافق غرضه.
والصحة في المعاملات كون الفعل بحيث يترتب عليه الآثار المطلوبة منه عقودا كانت أو إيقاعاتا أو غيرهما. والفاسد في العبادات والمعاملات ما يقابل حد الصحيح المذكور فيختلف بحسب اختلاف الحدود المذكورة.
وقد يتراءى من ظاهر كلامهم كون الصحة والفساد مشتركا لفظيا بين الوجهين، حيث جعلوا حد الصحة في العبادات مغايرا لحده في المعاملات لكن الظاهر خلافه، فإن المنساق من الصحة معنى واحد وهو أمر واحد يتصف به العبادة والمعاملة. فلا يبعد أن يكون المناط في الحدين أمرا واحدا وهو في الحقيقة مفاد الصحة وإن اختلف الحال فيه بحسب اختلاف الموصوف به، وانما لاحظوا اختلاف الحدين من تلك الجهة. وقد نبه على ذلك بعضهم حيث جعل مفاد الصحة في المقامين كونه بحيث يترتب عليه أثره، فإن كان في العبادات المطلوبة منها الانقياد كان أثرها المترتب عليها هو الطاعة والانقياد وأداء مطلوب الشارع ويتبعه الاجزاء وسقوط التعبد به ثانيا، وقد لوحظ واحد من ذينك الأمرين في كل من التعريفين على حسب ما يلائم قصد المعرف، وإن كان في المعاملات كان الأثر المترتب عليها هو ما وضعت لها تلك المعاملات من الآثار المترتبة عليها.
خامسها: أن النهي قد يتعلق بذات العبادة، وقد يتعلق بجزئها، وقد يتعلق بشرطها، وقد يتعلق بأمر خارج عنها لازم لها أو مفارق عنها. والنهي المتعلق بالخارج إما متعلق به لأجل العبادة أو لا لأجلها، ثم الخارج إما أن يكون أمرا