يتعلق به أمر كما هو الحال في معظم العقود والإيقاعات، أو يتعلق به أمر لكن لا يتقيد بوقوعه على جهة الامتثال، كأداء الدين وإزالة النجاسات عن الثوب والبدن ونحوهما. وقد يتوقف صحة العمل على مجرد قصد الامتثال والطاعة وإن لم يكن في الواقع أمر بذلك الواقع منه كما في الوقف والعتق، لصحة ما يقع منهما من المخالف والكافر، وفي إدراجهما في العبادة بالمعنى المذكور إشكال، والمعروف بين الأصحاب ذكرهما في طي المعاملات إما لذلك أو لكون معظم البحث عنهما من جهة ترتب الآثار لا من جهة ملاحظة الامتثال.
وقد يراد بالعبادة ما يقع من المكلف على وجه الطاعة، سواء كان تشريعه على جهة تحصيل الامتثال وأداء الطاعة أو يكون أداء المكلف له على جهة الطاعة فيما يتعلق به الطلب على بعض الوجوه فيكون عبادة بالنية. والظاهر جريان حكم العبادة فيها بالنسبة إلى وقوعها على تلك الجهة، ولحوق حكم المعاملات بالنسبة إلى نفسها على حسب ما يجئ الكلام فيه إن شاء الله.
رابعها: أن الصحيح من العبادات على ما فسرها المتكلمون ما وافق الشريعة وعند الفقهاء ما أسقط القضاء. قالوا: ويظهر الثمرة بين التفسيرين فيمن صلى باستصحاب الطهارة ثم انكشف الخلاف، فإنها صحيحة على الأول، لأدائها موافقا لأمر الشارع حيث جعله متعبدا بالعمل به، فاسدة على الثاني، لعدم إسقاطه القضاء.
أقول: إن أريد بما وافق الشريعة ما وافقها بحسب الواقع وبما أسقط القضاء ما أسقطها كذلك لم يصح ما ذكر من التفريع، لوضوح عدم موافقة ما أتى به من الصلاة للواقع وعدم إسقاطه القضاء كذلك. وإن أريد موافقته للشريعة بحسب ظاهر التكليف فينبغي أن يراد إسقاطه القضاء كذلك أيضا، إذ لا وجه للتفكيك بين التعبيرين. وحينئذ فكما يصدق موافقة العمل للشريعة كذلك يكون مسقطا للقضاء في ظاهر الشريعة، وبعد انكشاف الخلاف كما يتبين عدم إسقاطه القضاء كذا يتبين عدم موافقته للشريعة أيضا، فلا فرق بين التعريفين.