حجة التفصيل المذكور أما على عدم الدلالة مع عموم دليل الصحة وشموله للمحرم وغيره فبما مر من عدم المنافاة بين الصحة والتحريم فلا معارضة بين الأمرين حتى يحتاج إلى الجمع فلا بد من العمل بهما معا، لعدم جواز تقييد الإطلاق وتخصيص العام من دون حصول المعارضة بينه وبين المقيد والخاص، وأما على استفادة الفساد منه مع اختصاص دليلها بالمحلل فظاهر أيضا، لما عرفت من قضاء الأصل الأصيل في المعاملات بالفساد، والمفروض أن ما دل على الصحة غير شامل للمحرم فيكون النهي الدال على تحريمه مخرجا له عن الاندراج فيما يدل على صحة تلك المعاملة وترتب الأثر عليه فيتعين الحكم بفساده أخذا بمقتضى الأصل المذكور هذا. ولما كان الشأن هنا في بيان عدم شمول الإطلاقات الدالة على صحة جملة من المعاملات للقسمين وكون دليل الصحة في بعضها منحصرا في المحلل منها تصدى المفصل المذكور لإثبات ذلك وبين ما يدل على صحة المنع وترتب الأثر له أمور:
الأول: قوله تعالى * (أحل الله البيع) * (1) فإن من البين عدم شموله للبيوع المحرمة فلا بد بعد ثبوت التحريم في بعض أنواعه من تقييد الإطلاق المذكور.
الثاني: قوله تعالى * (أوفوا بالعقود) * (2) فإن مقتضاه صحة العقد الذي يجب الوفاء به والحرام لا يجب الوفاء به، لأنه يعاقب على فعله فكيف يعاقب على ترك الوفاء به، فإن الظاهر أن أهل العرف يفهمون التنافي بين هذين.
الثالث: قوله تعالى والكلام فيه نظير الكلام في الآية السابقة.
الرابع: قوله تعالى * (إلا أن تكون تجارة عن تراض) * (3) استثنى التجارة عما نهى عنه من أكل أموال الناس فمعناه انتفاء التحريم بالنسبة إلى التجارة فهو نص صريح في الحكم بالحلية، وبما ذكر يرتفع ما يتوهم من التناقض في كلام الفقهاء فإن الموضع الذي يستدلون به على الفساد هو الموضع الذي يكون مقتضى الصحة