لا بد في إثبات حجية ظن المجتهد من دليل قطعي وسنشير في موضعه أنه من الأصول الكلامية لا الأصول الفقهية وإذا صار ظنه حجة فلا فرق بين الأصول والفروع وسيجئ زيادة توضيح لهذا في مبحث الاجتهاد والتقليد فلنرجع إلى ذكر أدلة النافين لحجية خبر الواحد وهو أيضا من وجهين أحدهما هو الدليل على حرمة العمل بالظن إلا ما أثبته الدليل حذوا لما ذكرناه في خامس الأدلة وثانيهما في نفي حجية خبر الواحد بالخصوص أما الأول فهو الآيات والأخبار الدالة على حرمة العمل بالظن مثل قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله تعالى إن يتبعون إلا الظن إن الظن لا يغني من الحق شيئا وغير لك فإن النهي والذم على اتباع الظن دليل على الحرمة وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن بالفرض والجواب اما عن آية النهي فإنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وآله ولا دليل على مشاركة غيره له في جميع الخطابات سلمنا لكن الخطاب شفاهي فلعله كان قرينة تدل على خلاف المقصود من اختصاصها بأصول الدين أو بما ينسب إلى المسلمين كما يظهر من قوله تعالى يا أيها الذين الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ومن إرادة المعنى الراجح من العلم مجازا مع أن اشتراك غير المشافه للمشافه إنما هو بالاجماع والضرورة وهما منتفيان في موضع النزاع وهو صورة انسداد باب العلم وأيضا التمسك بهذه الآية يفيد حرمة العمل بالظن فالتمسك بالظن الحاصل بها هو ما نفاه نفس الآية وكل ما يستلزم وجوده عدمه فهو محال ودعوى قطعية حجية الظن الحاصل من الكتاب وقد عرفت الكلام فيه وأنه ليس بثابت في الأصل وعلى فرض الثبوت فلم يثبت فيما كان هناك خبر واحد يدل على حكم بالخصوص مع أن الآية إنما تفيد العموم لو كانت (كلية)؟ ما نكرة ولو كانت موصولة فلا تنافي جواز اتباع بعض الظنون وأما مثل قوله تعالى إن الله لا يجب كل مختال فخور فعلى خلاف الأصل فإن الظاهر من ليس كل أنه سور للسلب الجزئي وأما عن آية الذم فمع أنه يرد عليه بعض ما ذكر فيه أنها ظاهرة في أصول الدين بالنظر إلى سياقها وإن قلنا بأن السبب والمحل لا يخصص اللفظ سلمنا العموم في جميع الآيات لكن ما ذكرنا من الأدلة يخصصها لان الخاص مقدم على العام وأما الثاني فهو ما ذكره السيد المرتضى رحمه الله في جواب المسائل البتانيات من أصحابنا لا يعملون بخبر الواحد وإن ادعاء خلاف ذلك عليهم رفع للضرورة قال لأنا نعلم علما ضروريا لا يدخل في مثله ريب ولا شك ان علماء الشيعة الإمامية يذهبون إلى أن أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة ولا التعويل عليها وأنها ليست بحجة ولا دلالة وقد ملؤا الطوامير و سطروا الأساطير في الاحتجاج على ذلك والنقض على مخالفيهم فيه ومنهم من يزيد على هذه الجملة ويذهب إلى أنه مستحيل من طريق العقول أن يتعبد الله بالعمل بأخبار الآحاد ويجري ظهور مذهبهم في أخبار
(٤٥٣)