للفساد خلافا للحنفية حيث يجعلون الفساد عبارة عما لم يكن مشروعا بأصله دون وصفه كالبيع الربوي فيصححونه مع إسقاط الزيادة والبطلان عبارة عما لم يكن مشروعا بأصله ووصفه كبيع الملاقيح ومثلوا للباطل بالصلاة في الدار المغصوبة وللفاسد بصوم العيد ووجهه غير معلوم إلا أنه لا مشاحة في الاصطلاح إن كان بنائهم على تغيير الاصطلاح إذا تمهد ذلك فنقول الأقوال في ال مسألة خمسة الأول الدلالة على الفساد مطلقا والثاني عدمها مطلقا نقله فخر الدين عن أكثر أصحابه والأول عن بعضهم وهو مذهب جمهور الشافعية والحنابلة والثالث الدلالة في العبادات لا في المعاملات مطلقا وهو مذهب أكثر أصحابنا وبعض العامة والرابع الدلالة فيها شرعا لا لغة وهو مذهب السيد رحمه الله وابن الحاجب والخامس الدلالة في العبادات شرعا لا لغة وقد نسبه بعض الأصحاب إلى أكثرهم والأقرب القول الثالث لنا على دلالته على الفساد في العبادات أن المنهي ليس بمأمور به فيكون فاسدا إذ الصحة في العبادات هو موافقة الامر ولا يمكن لك إلا مع الامتثال وإذ لا أمر فلا امتثال فإن قلت إن هذا إنما يتم لو لم يكن أمر أصلا ولكن الامر موجود وهو الامر بالعام فيكفي موافقة العمومات فالصلاة في الدار المغصوبة وإن لم يكن مأمورا بها بالخصوص لكنها مأمورا بها بالعموم فثبت الصحة وهو موافقة الامر بل وإسقاط القضاء أيضا لان القضاء المصطلح لا يتحقق إلا مع فوات المأمور به كما مر الإشارة في مبحث دلالة الامر على الاجزاء فلا مانع من كونها مأمورا بها ومنهيا عنها من جهتين كما أشرنا في مسألة اجتماع الأمر والنهي قلت نعم لا يستحيل العقل ذلك ولا مانع أن يقول الشارع صل ولا تصل في الدار المغصوبة ولكن لو صليت فيها لعاقبتك على إيقاعها فيها ولكنك أتيت بمطلوبي ولا يدل اللغة أيضا على خلافه ولم يثبت اصطلاح من الشارع فيه أيضا ولكن المتبادر في العرف من مثل ذلك التخصيص بمعنى أن هذا الفرد من العام خارج عن المطلوب والعرف إنما هو المحكم لا أن المنهي عنه محض الصفة دون الموصوف كما يقول الحنفية هذا في غير المنهي عنه لنفسه و أما هو فالتخصيص فيه أظهر وأوضح لان التخصيص فيه بالنسبة إلى المكلفين لا التكليف كما أشرنا و أما النقض بالمعاملات بأن التجارة أيضا قد تكون واجبة وقد تكون مستحبة ولا أقل من الإباحة ولا ريب في تضاد الاحكام فلا بد فيه من التخصيص أيضا ففيه أن منافاة الوجوب والاستحباب للتحريم لا تنافي صحة المعاملات بمعنى ترتب الأثر فالتجارة بالنسبة إلى الوجوب والاستحباب من العبادات أو بطلانها من هذه الحيثية بمعنى عدم الثواب أو حصول العقاب لا ينافي صحتها من جهة ترتب الأثر وكذلك الكلام في الإباحة فإن منافاة التحريم معها لا تنافي ترتب الأثر عليها وسيجئ تمام
(١٥٩)