ونهى نفسه عن هواها وردها إلى طاعة مولاها. (فإن الجنة هي المأوى) أي منقلبه ومصيره ومرجعه إلى الجنة الفيحاء ثم قال تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها) أي ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق بل مردها ومرجعها إلى الله عز وجل فهو الذي يعلم وقتها على التعيين " ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله " وقال ههنا " إلى ربك منتهاها " ولهذا لما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة قال " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ".
وقوله تعالى (إنما أنت منذر من يخشاها) أي إنما بعثتك لتنذر الناس وتحذرهم من بأس الله وعذابه فمن خشي الله وخاف مقامه ووعيده أتبعك فأفلح وأنجح والخيبة والخسار على من كذبك وخالفك وقوله تعالى (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) أي إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر يستقصرون مدة الحياة الدنيا حتى كأنها عندهم كانت عشية من يوم أو ضحى من يوم وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها " أما عشية فما بين الظهر إلى غروب الشمس " أو ضحاها " ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار وقال قتادة: وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة. آخر تفسير سورة النازعات ولله الحمد والمنة.
سورة عبس بسم الله الرحمن الرحيم عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى (2) وما يدريك لعل يزكى (3) أو يذكر فتنفعه الذكرى (4) أما من استغنى (5) فأنت له تصدى (6) وما عليك ألا يزكى (7) وأما من جاءك يسعى (8) وهو يخشى (9) فأنت عنه تلهى (10) كلا إنها تذكرة (11) فمن شاء ذكره (12) في صحف مكرمة (13) مرفوعة مطهرة (14) بأيدي سفرة (15) كرام بررة (16) ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شئ ويلح عليه وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر فأنزل الله تعالى " عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى) أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه (أو يذكر فتنفعه الذكرى) أي يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم.
(أما من استغنى فأنت له تصدى) أي أما الغني فأنت تتعرض له لعله يهتدي (وما عليك ألا يزكى) أي ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى) أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له (فأنت عنه تلهى) أي تتشاغل ومن ههنا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخص بالانذار أحدا بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف والفقير والغني والسادة والعبيد والرجال والنساء والصغار والكبار ثم الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة. قال الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا محمد بن مهدي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى " عبس وتولى " جاء ابن أم