يقول تعالى مخبرا عن عباده المتقين الذين عبدوه بأداء الواجبات وترك المحرمات إنهم يوم القيامة يكونون في جنات وعيون أي بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من ظل اليحموم وهو الدخان الأسود المنتن. وقوله تعالى (وفواكه مما يشتهون) أي من سائر أنواع الثمار مهما طلبوا وجدوا (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) أي يقال لهم ذلك على سبيل الاحسان إليهم. ثم قال تعالى مخبرا خبرا مستأنفا (إنا كذلك نجزي المحسنين) أي هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل (ويل يومئذ للمكذبين). وقوله تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) خطاب للمكذبين بيوم الدين وأمرهم أمر تهديد ووعيد فقال تعالى (كلوا وتمتعوا قليلا) أي مدة قليلة قريبة قصيرة (إنكم مجرمون) أي ثم تساقون إلى نار جهنم التي تقدم ذكرها (ويل يومئذ للمكذبين) كما قال تعالى (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) وقال تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) وقوله تعالى (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) أي إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة امتنعوا من ذلك واستكبروا عنه ولهذا قال تعالى (ويل يومئذ للمكذبين) ثم قال تعالى (فبأي حديث بعده يؤمنون) أي إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن فبأي كلام يؤمنون به؟ كقوله تعالى " فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون " قال ابن أبي حاتم ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية سمعت رجلا أعرابيا بدويا يقول سمعت أبا هريرة يرويه إذا قرأ " والمرسلات عرفا " فقرأ " فبأي حديث بعده يؤمنون " فليقل آمنت بالله وبما أنزل وقد تقدم هذا الحديث في سورة القيامة.
سورة النبأ بسم الله الرحمن الرحيم عم يتساءلون (1) عن النبأ العظيم (2) الذي هم فيه مختلفون (3) كلا سيعلمون (4) ثم كلا سيعلمون (5) ألم نجعل الأرض مهادا (6) والجبال أوتادا (7) وخلقناكم أزواجا (8) وجعلنا نومكم سباتا (9) وجعلنا الليل لباسا (10) وجعلنا النهار معاشا (11) وبنينا فوقكم سبعا شدادا (12) وجعلنا سراجا وهاجا (13) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (14) لنخرج به حبا ونباتا (15) وجنات ألفافا (16) يقول تعالى منكرا على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكارا لوقوعها " عم يتساءلون عن النبأ العظيم " أي عن أي شئ يتساءلون من أمر القيامة وهو النبأ العظيم يعني الخبر الهائل المفظع الباهر قال قتادة وابن زيد النبأ العظيم البعث بعد الموت وقال مجاهد هو القرآن والأظهر الأول لقوله (الذي هم فيه مختلفون) يعني الناس فيه على قولين مؤمن به وكافر ثم قال تعالى متوعدا لمنكري القيامة (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد. ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره فقال " ألم نجعل الأرض مهادا " أي ممهدة للخلائق ذلولا لهم قارة ساكنة ثابتة (والجبال أوتادا) أي جعلها لها أوتادا أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها. ثم قال تعالى (وخلقناكم أزواجا) يعني ذكرا وأنثى يتمتع كل منهما بالآخر ويحصل التناسل بذلك كقوله