ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون (85) يخبر تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر وماذا حل بهم من العذاب الشديد مع شدة قواهم وما أثروه في الأرض وجمعوه من الأموال فما أغنى عنهم ذلك شيئا ولا رد عنهم ذرة من بأس الله وذلك لانهم لما جاءتهم الرسل بالبينات والحجج القاطعات والبراهين الدامغات لم يلتفتوا إليهم ولا أقبلوا عليهم واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل قال مجاهد قالوا نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب وقال السدي فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم فأتاهم من بأس الله تعالى ما لا قبل لهم به " وحاق بهم " أي أحاط بهم " ما كانوا به يستهزئون " أي يكذبون ويستبعدون وقوعه " فلما رأوا بأسنا " أي عاينوا وقوع العذاب بهم " قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين " أي وحدوا الله عز وجل وكفروا بالطاغوت ولكن حيث لا تقال العثرات ولا تنفع المعذرة وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " قال الله تبارك تعالى " الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " أي فلم يقبل الله منه لأنه قد استجاب لنبيه موسى عليه الصلاة والسلام دعاءه عليه حين قال " واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " وهكذا قال تعالى " فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده " أي هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنه لا يقبل ولهذا جاء في الحديث " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أي فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة وعاين الملك فلا توبة حينئذ ولهذا قال تعالى " وخسر هنالك الكافرون " سورة فصلت بسم الله الرحمان الرحيم حم (1) تنزيل من الرحمان الرحيم (2) كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعملون (3) بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفئ آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون (5) يقول تعالى " حم * تنزيل من الرحمن الرحيم " يعني القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله " قل نزله روح القدس من ربك بالحق " وقوله " وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين " قوله تبارك وتعالى " كتاب فصلت آياته " أي بينت معانيه وأحكمت أحكامه " قرآنا عربيا " أي في حال كونه قرآنا عربيا بينا واضحا فمعانيه مفصلة وألفاظه واضحة غير مشكلة كقوله تعالى " كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " أي هو معجز من حيث لفظه ومعناه " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " وقوله تعالى " لقوم يعلمون " أي إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون " بشيرا ونذيرا " أي تارة يبشر المؤمنين وتارة ينذر الكافرين " فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون " أي أكثر قريش فهم لا يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه " وقالوا قلوبنا في أكنة " أي في غلف مغطاة " مما تدعونا إليه وفي
(٩٧)