هذا القرآن الذي أنزلناه سهلا واضحا بينا جليا بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها " لعلهم يتذكرون " أي يتفهمون ويعلمون ثم لما كان مع هذا الوضوح والبيان من الناس من كفر وخالف وعاند قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم مسليا له وواعدا له بالنصر ومتوعدا لمن كذبه بالعطب والهلاك " فارتقب " أي انتظر " إنهم مرتقبون " أي فسيعلمون لمن تكون النصرة والظفر وعلو الكلمة في الدنيا والآخرة فإنها لك يا محمد ولاخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين كما قال تعالى " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " الآية وقال تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " آخر تفسير سورة الدخان ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
سورة الجاثية بسم الله الرحمان الرحيم حم (1) تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم (2) إن في السماوات والأرض لايات للمؤمنين (3) وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون (4) واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون (5) يرشد تعالى خلقه إلى التفكر في آلائه ونعمه وقدرته العظيمة التي خلق بهما السماوات الأرض وما فيهما من المخلوقات المختلفة الأجناس والأنواع من الملائكة والجن والانس والدواب والطيور والوحوش والسباع والحشرات وما في البحر من الأصناف المتنوعة واختلاف الليل والنهار في تعاقبهما دائبين لا يفتران هذا بظلامه وهذا بضيائه وما أنزل الله تبارك وتعالى من السحاب من المطر في وقت الحاجة إليه وسماه رزقا لان به يحصل الرزق فأحيا به الأرض بعد موتها أي بعدما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شئ. وقوله عز وجل " وتصريف الرياح " أي جنوبا وشمالا ودبورا وصبا برية وبحرية ليلية ونهارية ومنها ما هو للمطر ومنها ما هو للقاح ومنها ما هو غذاء للأرواح ومنها ما هو عقيم لا ينتج وقال سبحانه وتعالى أولا لآيات للمؤمنين ثم يوقنون ثم يعقلون وهو ترق من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى هذه الآيات شبيهة بآية البقرة وهي قوله تعالى " إن في خلق السماوات الأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " وقد أورد ابن أبي حاتم ههنا عن وهب بن منبه أثرا طويلا غريبا في خلق الانسان من الاخلاط الأربعة والله أعلم تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون (6) ويل لكل أفاك أثيم (7) يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم (8) وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (9) من ورائهم جهنم ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا