" بناها " فسره بقوله " رفع سمكها فسواها " أي جعلها عالية البناء بعيدة الفناء مستوية الارجاء مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء. وقوله تعالى (وأغطش ليلها وأخرج ضحاها) أي جعل ليلها مظلما أسود حالكا ونهارها مضيئا مشرقا نيرا واضحا قال ابن عباس " أغطش ليلها " أظلمه وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وجماعة كثيرون " وأخرج ضحاها " أي أنار نهارها وقوله تعالى " والأرض بعد ذلك دحاها " فسره بقوله تعالى (أخرج منها ماءها ومرعاها) وقد تقدم في سورة حم السجدة أن الأرض خلقت قبل خلق السماء ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل وهذا معنى قول ابن عباس وغير واحد واختاره ابن جرير. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا عبيد الله يعني ابن عمر عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " دحاها " ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشقق فيها الأنهار وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام فذلك قوله " والأرض بعد ذلك دحاها " وقد تقدم تقرير ذلك هنالك وقوله تعالى (والجبال أرساها) أي قررها وأثبتها وأكدها في أماكنها وهو الحكيم العليم الرؤوف بخلقه الرحيم وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الجبال؟ قال نعم:
الحديد قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الحديد؟ قال نعم: النار قالت: يا رب فهل من خلقك أشد من النار؟ قال نعم، الماء قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الماء؟ قال نعم: الريح قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الريح؟ قال نعم: ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها عن شماله " وقال أبو جعفر بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: لما خلق الله الأرض قمصت وقالت تخلق علي آدم وذريته يلقون علي نتنهم ويعلون علي بالخطايا؟ فأرساها الله بالجبال فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون وكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يختلج لحمه. غريب جدا. وقوله تعالى (متاعا لكم ولأنعامكم) أي دحا الأرض فأنبع عيونها وأظهر مكنونها وأجرى أنهارها وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها وثبت جبالها لتستقر بأهلها ويقر قرارها كل ذلك متاعا لخلقه ولما يحتاجون إليه من الانعام التي يأكلونها ويركبونها مدة احتياجهم إليها في هذا الدار إلى أن ينتهي الأمد وينقضي الاجل.
فإذا جاءت الطامة الكبرى (34) يوم يتذكر الانسان ما سعى (35) وبرزت الجحيم لمن يرى (36) فأما من طغى (37) وآثر الحياة الدنيا (38) فإن الجحيم هي المأوى (39) وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (40) فإن الجنة هي المأوى (41) يسئلونك عن الساعة أيان مرساها (42) فيم أنت من ذكراها (43) إلى ربك منتهاها (44) إنما أنت منذر من يخشاها (45) كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها (46) يقول تعالى (فإذا جاءت الطامة الكبرى) وهو يوم القيامة قاله ابن عباس سميت بذلك لأنها تطم على كل أمر هائل مفظع كما قال تعالى " والساعة أدهى وأمر " (يوم يتذكر الانسان ما سعى) أي حينئذ يتذكر ابن آدم جميع عمله خيره وشره كما قال تعالى " يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى " (وبرزت الجحيم لمن يرى) أي أظهرت للناظرين فرآها الناس عيانا (فأما من طغى) أي تمرد وعتى (وأثر الحياة الدنيا) أي قدمها على أمر دينه وأخراه (فإن الجحيم هي المأوى) أي فإن مصيره إلى الجحيم وإن مطعمه من الزقوم ومشربه من الحميم (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) أي خاف القيام بين يدي الله عز وجل وخاف حكم الله فيه