عز وجل ولهذا قال تعالى " وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم " أي هو غني عنكم لا يطلب منكم شيئا وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساة لاخوانكم الفقراء ليعود نفع ذلك عليكم ويرجع ثوابه إليكم.
ثم قال جل جلاله " إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا " أي يحرجكم تبخلوا " ويخرج أضغانكم " قال قتادة: قد علم الله تعالى أن في إخراج الأموال إخراج الأضغان وصدق قتادة فإن المال محبوب ولا يصرف إلا فيما هو أحب إلى الشخص منه. وقوله تعالى " ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل " أي لا يجيب إلى ذلك " ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه " أي إنما نقص نفسه من الاجر وإنما يعود وبال ذلك عليه " والله الغني " أي عن كل ما سواه وكل شئ فقير إليه دائما ولهذا قال تعالى " وأنتم الفقراء " أي بالذات إليه فوصفه بالغني وصف لازم له ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم لا ينفكون عنه. وقوله تعالى " وإن تتولوا " أي عن طاعته واتباع شرعه " يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " أي ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره. وقال ابن أبي حاتم وابن جرير حدثنا يونس بن عبد الاعلى حدثنا ابن وهب أخبرني مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي رضي الله عنه ثم قال " هذا وقومه ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس " تفرد به مسلم بن خالد الزنجي ورواه عنه غير واحد وقد تكلم فيه بعض الأئمة رحمة الله عليهم والله أعلم. آخر تفسير سورة القتال ولله الحمد والمنة.
سورة الفتح قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال سمعت عبد الله بن مغفل يقول قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجع فيها قال معاوية لولا أني أكره أن يجتمع الناس علينا لحكيت قراءته أخرجاه من حديث شعبة به.
بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا (1) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما (2) وينصرك الله نصرا عزيزا (3) نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام فيقضي عمرته فيه وحالوا بينه وبين ذلك ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل فأجابهم إلى ذلك على كره من جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سيأتي تفصيله في موضعه من تفسير هذه السورة إن شاء الله تعالى فلما نحر هديه حيث أحصر ورجع أنزل الله عز وجل هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم وجعل ذلك الصلح فتحا باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل الامر إليه كما روى ابن مسعود رضي الله عنه وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح صلح الحديبية وقال الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال: ما كنا نعد الفتح إلا