يقول تعالى " مما خطيئاتهم " وقرئ خطاياهم " أغرقوا " أي من كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم " أغرقوا فأدخلوا نارا " أي نقلوا من تيار البحار إلى حرارة النار " فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا " أي لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله كقوله تعالى " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " أي لا تترك على وجه الأرض منهم أحدا ولا ديارا وهذه من صيغ تأكيد النفي قال الضحاك ديارا واحدا وقال السدي الديار الذي يسكن الدار فاستجاب الله له فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه " قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين " وقال ابن أبي حاتم قرأ على يونس بن عبد الاعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني شبيب بن سعيد عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم امرأة لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت به الجبل فلما بلغها الماء صعدت به منكبها فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها فلما بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيدها فلو رحم منهم أحدا لرحم هذه المرأة " هذا حديث غريب ورجاله ثقات ونجى الله أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح عليه السلام وهم الذين أمره الله بحملهم معه. وقوله تعالى " إنك إن تذرهم يضلوا عبادك " أي إنك إن أبقيت منهم أحدا أضلوا عبادك أي الذين تخلقهم بعدهم " ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " أي فاجرا في الأعمال كافر القلب وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما ثم قال " رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا " قال الضحاك يعني مسجدي ولا مانع من حمل الآية على ظاهرها وهو أنه دعا لكل من دخل منزله وهو مؤمن. وقد قال الإمام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حياة أنبأنا سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي " ورواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن المبارك عن حياة بن شريح به ثم قال الترمذي إنما نعرفه من هذا الوجه. وقوله تعالى " وللمؤمنين والمؤمنات " دعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات وذلك يعم الاحياء منهم والأموات. ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء اقتداء بنوح عليه السلام وبما جاء في الآثار والأدعية المشهورة المشروعة وقوله تعالى " ولا تزد الظالمين إلا تبارا " قال السدي إلا هلاكا وقال مجاهد إلا خسارا أي في الدنيا والآخرة. آخر تفسير سورة نوح عليه السلام ولله الحمد والمنة.
سورة الجن بسم الله الرحمن الرحيم قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن يشرك بربنا أحدا (2) وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا (3) وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا (4) وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا (5) وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا (6) وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا (7) يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن فآمنوا به وصدقوه وانقادوا له فقال تعالى " قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد " أي يهدي إلى السداد